( التلبسات المحمّدية )



                      الشيخ أحمد التّجاني الحسني قدس الله سره
أمّا الحقيقة المحمّديّة فهي في هذه المرتبة لا تعرف ولا تدرك ولا مطمع لأحد في نيلها في هذا الميدان . ثمّ استّترتْ بألباس من الأنوار الإلهيّة واحتجبت بها عن الوجود ، فهي في هذا الميدان تسمّى روحا بعد احتجابها بالألباس ، وهذا غاية إدراك النبيّين والمرسلين والأقطاب ، يَصِلُونَ هذا المحلّ ويقفون . ثمّ استترت بألباس من الأنوار أخرى وبها سُمِّيَتْ عقلا . ثمّ استترت بألباس من الأنوار الإلهيّة أخرى فسمّيت بسببها قلبا . ثمّ استترت بألباس من الأنوار الإلهيّة أخرى فسمّيت بسببها نفسا . ومن بعد هذا ظهر جسده الشريف صلّى الله عليه وسلّم . فالأولياء مختلفون في الإدراك لهذه المراتب . فطائفة غاية إدراكهم نفسه صلّى الله عليه وسلّم ، ولهم في ذلك علوم وأسرار ومعارف . وطائفة فوقهم غاية إدراكهم قلبه صلّى الله عليه وسلّم ، ولهم في ذلك علوم وأسرار ومعارف أخرى . وطائفة فوقهم غاية إدراكهم عقله صلّى الله عليه وسلّم ، ولهم بحسب ذلك علوم وأسرار ومعارف أخرى . وطائفة ، وَهُمْ الأعلون ، بلغوا الغاية القصوى في الإدراك فأدركوا مقام روحه صلّى الله عليه وسلّم ، وهو غاية ما يُدرَك ، ولا مطمع لأحد في درك الحقيقة في ماهيّتها التي خلقت فيها . وفي هذا يقول أبو يزيد : " غصت لجّة المعارف طلبا للوقوف على عين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا بيني وبينها ألف حجاب من نور ، لو دنوتُ من الحجاب الأوّل لاحترقتُ به كما تحترق الشعرة إذا ألقيتْ في النار " . وكذا قال الشيخ مولانا عبد السلام في صلاته : " وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه مِنَّا سابق ولا لاحق " . وفي هذا يقول أويس القرني لسيّدنا عليّ وسيّدنا عمر رضي الله عنهما : لم تريا من رسول الله صلّى عليه وسلّم إلاّ ظِلَّه ، قالا : ولا ابن أبي قحافة ؟ قال : ولا ابن أبي قحافة . فلعلّه غاص لجّة المعارف طلبا للوقف على عين الحقيقة المحمّديّة فقيل له : هذا أمر عجز عنه أكابر الرسل والنبيّين فلا مطمع لغيرهم فيه . إنتهى" اهـ