العجز عن إدراك الحقيقة المحمدية



وقال الشيخ يوسف بن محمد المغربي قدس الله سرّه :
فكانت الحيرة فيه صلى الله عليه وسلم على حسب معرفته ، وكما يليق بمقامه وعلو منزلته ، وحقيقة ذلك لم يدركها أحد بفهمه " ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بماشاء " الله من ظواهر الأمور دون بواطنها ، وجليّها دون خفيّها ، فالفهوم كلّت والعقول وقفت ، وتضاءلت عن إدراك خفي سرّه ، والوقوف على حقيقة أمره ، وما يعلم ذلك إلّا الذي خصه به سبحانه وتعالى .
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
أعجب من أولئك الذين يقولون أنهم قد عرفوا الله بالعجز وما عرفوا سيدنا صلى الله عليه وسلم به أيضا، وذلك لجهلهم بأن لون الإناء لون الماء، ولو عرفوا عين يقين هذا لأقروا به قطعا، لأن الحامل على العجز فيه هو الحامل على العجز في مظهره. {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا)
وقال قدس الله سره :
اعلم أن لطلعة الحق بالنسبة لهيكلها غيوب لا تعرف فأحرى تُحصى لكن نقول بحسب التقريب أن له: غيوب الغيب الشَّهادي وباطن الغيب وغيب السر وسر الغيب وغيب الغيب وباطن سر غيب الغيب.
وقال في لسان الحجة :
فلقد طلسَمَت العناية الإلهية على الحقيقة المحمدية أن تُعرف، وأكَنَّتها الغيرة السبحانية أن توصف، وأبطنتها تحت سجاف الجسمانية الكونية، وسترتها تحت ميادين الأكناف الحسية:
ستر الحسن منه بالحسن، فاعجب ** لجمال له الجمــــــــــــــــــــال وقاء
وقال سيدي عبد الكريم الجيلي قدس الله سره :
أم الكتاب : عبارة عن ماهية كنه الذات المعبر عنها من بعض بماهية الحقائق التي لا يطلق عليها إسم ولا نعت ولا وجود ولا عدم ولا حق ولا خلق ..اهـ
وقال الشيخ التجاني قدس الله سره :
وحقيقة سريان قيوميته في الوجود ، لا مطمع للعقل في دركها ، ولا أن يحوم حول حماها ، فما وصل إليها أحد من الخلق، ولا عرف لها كيفية ولا صورة ، وكل الوجود في حجاب عن هذا الإدراك ، حتى أكابر الأنبياء والمرسلين عليه السلام ، كلهم لم يشموا لها رائحة ، ومن دونهم أحرى وأولى .
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
ثم إن هذا أمر لا مرمى دون مرماه، ولا كشف لأحد عن باطن ظاهر محياه، حتى للأنبياء والرسل عليهم من ربهم السلام، فإنما لهم الاطلاع على غيوب ستة، وأما الغيب السابع فانفرد الحق بمعرفته على سبيل الإجمال والتفصيل لما اقتضاه وجوب العلم الذاتي، وهذا المشار لـه بالروح في آية الاسراء، ومجموع هذا هو المشار له بقولـه : "أنزل القرآن على سبعة أحرف"، فيما أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن أبي بن كعب، والإمام أحمد عن حذيفة.
والمراد بالقرآن هاهنا بطريق مراده صلى الله عليه وسلم : حقيقة الحقائق، أحدية الكل الجمعي المطلق السارية في جميع المقتضيات والتعينات. والمراد بالأحرف الحضرات الواقع فيها الظهور للأثرات الكيانية على سبيل النشر التفصيلي من الكنزية في صرافة البحتية، ثم عين الماهية، ثم غيب الغيب، ثم غيب السر، ثم سر الغيب، ثم العما، ثم الأحدية أعني بحسب التدلي، وفيها ظهور حكمي للأحمدية الصرفة أعني حين كانت في جوهرية العما. وقد أشير لذلك بقول القرآن {الذي يريك حين تقوم وتقلبك في السجدين} تفهم جدا.
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره: في الطلاسم :
.. فصرف الأعمار والقوى في التهتك في ما لـه صلى الله عليه وسلم وذكر شئونه ونعوته وكمالاته غير كاف ، أعني بحسب الإجمال، وإلا فتفصيلُ ما لـه صلى الله عليه وسلم من المقتضيات على سبيل الكنه لا سبيل لإدراك ما ذكر، وهذا أمر عندنا عام في عالم الشهادة وعالم الغيب وعالم البرزخ وعالم القرار، لأن وصف العارف من وصف معروفه فقد تخلق صلى الله عليه وسلم بالأسماء الإلـهية الذاتية ومن جملة الأسماء اسم الـهوية فتخلق به صلى الله عليه وسلم ومن يوم انبسطت عليه أشعة مقتضى هذا الاسم وهو صلى الله عليه وسلم مجهول عند جميع العوالم فلم يدرك لـه قرار ولا حد و لا مطلع. فكما أن الجناب الأقدس جل جلالـه مجهول لا يعرف {وما قدروا اللـه حق قدره} كذلك مظهره صلى الله عليه وسلم الذي هو العالم الكبير هيولى سائر المواد الكلية والجزئية البسيطة والمركبة، فكل العالمين من العرش إلى الفرش كلـه عالم صغير بالنسبة لـه فما العوالم كلـها إلا قائمة من قوائم عرشه المحيط صلى الله عليه وسلم ، وما ذلك إلا لأنه سُقِي من جميع الأسماء الذاتية .
وقال في بعض كتبّه محقّقا لقول الإمام البوصيري قدس الله سره :
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته  ** قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
إن قلنا مفهوم الدنيا على حد قوله.. أفاد أن في الآخرة تدرك وهذا عندنا لا يمكن إذ لو بدت ذرة من جوهرة حقيقة أحمدية كنهه في الآخرة لتلاشت لـها الجنة ولم يبق لـها رسم ولا طلل لأنه صلى اللـه عليه وسلم النسخة الذاتية، فلون الماء لون إنائه، وإن قلنا لا مفهوم للدنيا يعني وكذلك الآخرة عكر عليه قولـه: قوم نيام، لأن الناس إذا ماتوا انتبهوا كما ورد .
فكان عليه أن يقول وكيف يدرك في الأخرى حقيقته والناس نيام بحسب هذا الإدراك، وهذا وإن لم ينبه عليه أحد فدونك هذا التحقيق .
وقال الشيخ الآلوسي في  يا أيها المدّثر:
قال بعض السادة : أي يا أيها الساتر للحقيقة المحمدية بدثار الصورة الآدمية أو يا أيها الغائب عن أنظار الخليقة فلا يعرفك سوى الله تعالى على الحقيقة إلى غير ذلك من العبارات والكل إشارة إلى ما قالوا في الحقيقة المحمدية من أنها حقيقة الحقائق التي لا يقف على كنهها أحد من الخلائق وإنها التعين الأول وخازن السر المقفل وأنها وأنها .. إلى أمور هيهات أن يكون للعقل إليها منتهى.
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى * في القرب والبعد منه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين مـن بعـد * صغيـرة وتكـل الطـرف مــن أمــم
وقال الشريف الجرجاني رحمه الله :
)الروح الأعظم ) : هو مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها، ولذلك لا يمكن أن يحوم حولها حائم، ولا يروم وصلها رائم، ولا يعلم كنهها إلا الله تعالى، ولا ينال هذه البغية سواه .
وقال العلامة الشامي رحمه الله :
في شرحه لإسمه الباطن صلى الله عليه وسلم معناه في حقه الذي لا تدرك غاية مقامه ، وعظم شأنه الذي خصه الله به ، لقصور العقول عن ذلك .
وقال الامام القسطلاني رحمه الله :  
إعلم أنّه لاسبيل لأحد إلى الإحاطة بنقطة من بحار معارفه ، أو قطرة مما أفاضه الله عليه من سحائب عوارفه ..
وقال سيدي أبو المواهب الشاذلي رحمه الله :  
رأيته صلى الله عليه وسلم مرة فقلت له : ياسيدي قول البوصيري : فمبلغ العلم فيه أنّه بشر
معناه : منتهى العلم فيك أنّك بشر عند من لا علم له بحقيقتك ، وإلّا فأنت من وراء ذلك بالرّوح القدسي ، والقالب النبوي ، فقال صلى الله عليه وسلم : " صدقت " .
وللشيخ الكتاني قدس الله سره في الطلاسم :
ولو فرضنا يا ولي رجلا أُعطى قوة كل ملك على حدته وعلى مراتبهم، وأُعطى قوة جميع الأولياء ودخل عليه صلى الله عليه وسلم لَهَالَهُ ما يرى منه وتنفتك أزرار هيكل ذاته وتنفصم عرى أرجائه وتنحلُّ تراكيبه ويصير طريحا ملقى على الأرض مما أصابه من عِظَمِ تجليات ذاته، وعدم حمله لحمل أعباء ما قوبل به، وكيف لا وهو نسخة الذات الحاوية لجميع الكمالات. ولأجل هذا لم يكن جبريل يأتي إليه على صورته الأصلية التي خلق عليها لأنها صورة هائلة، وربما يشم من الإتيان على تلك الكيفية صورة إظهار التعاظم والتفاخر والتعالي، مع أن ذلك البساط لا يقاومه عظيم بعظمته ولا عزيز بعزته ولا قوي بقوته ولا شديد بشدته. بل على عتبة باب خيامك يا محمد تخضع جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى تراب عتبتك تنزل ركائب الخلق أجمعين، وبمرعى فيضك تخنس جميع ليوث الحضرة يا قائد الركب بين القائمين.
وقال الامام الكتاني في الطلاسم :
... ولولا تنزله في تلك الحضرات ما عرف لـه الاسم فأحرى المسمى، ومع تنزله فلا يعرف إلا على قدر الاستغراق والاستهلاك فيه . وهاهنا ترجمت في بعض الصلوات: "الذي هام الكل في مهامه بداية نقط دوائر هياكل آدميته، ووله الكل في هيمنة محيط عرش ظهور عوالم إنسانيته، فلا يعرف إلا على قدر قابلية الكمال المنبسطة منه إليه في بين الدقائق المحوية في بحر قاموس حسن مفاوز سلطنة الهوية الأحمدية المحمدية الملكية..الخ".
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
تفصيلُ ما لـه صلى اللـه عليه وسلم من المقتضيات على سبيل الكنه لا سبيل لإدراك ما ذكر، وهذا أمر عندنا عام في عالم الشهادة وعالم الغيب وعالم البرزخ وعالم القرار، لأن وصف العارف من وصف معروفه فقد تخلق صلى اللـه عليه وسلم بالأسماء الإلـهية الذاتية ومن جملة الأسماء اسم الـهوية فتخلق به صلى اللـه عليه وسلم ومن يوم انبسطت عليه أشعة مقتضى هذا الاسم وهو صلى اللـه عليه وسلم مجهول عند جميع العوالم فلم يدرك لـه قرار ولا حد و لا مطلع.
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
كما أن الجناب الأقدس جل جلالـه مجهول لا يعرف {وما قدروا اللـه حق قدره} كذلك مظهره صلى اللـه عليه وسلم الذي هو العالم الكبير هيولى سائر المواد الكلية والجزئية البسيطة والمركبة، فكل العالمين من العرش إلى الفرش كلـه عالم صغير بالنسبة لـه فما العوالم كلـها إلا قائمة من قوائم عرشه المحيط صلى اللـه عليه وسلم، وما ذلك إلا لأنه سُقِي من جميع الأسماء الذاتية، ولما سقي منها صار ذاتيا وغيره من ساداتنا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام صفاتيون بالنسبة إليه .
وقال الإمام الخروبي رحمه الله :  
حقيقة المصطفى صلى الله عليه وسلم سر لطيف من أسرار الحق تعالى لا يطلع عليه في الدارين سوى الرب جل جلاله ولا يكشفه أحد غيره لا نبي مرسل ولا ملك مقرب أو حقيقة أحمديته من السر المكنون والأمر المصون الذي انفرد به الحق تعالى وما أدرك الموقنون منه إلا ظاهر صورته المحمدية وهو الذي عبر عنه أو يس القريني صلى الله عليه وسلم بالظل، وقال لأصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم: ما رأيتم منه إلا ظله .
فما أدرك الناس من حقيقة أمره وخفي سره إلى على قدر عقولهم البشرية فما ظهر من ذلك هو نعمة عليهم ليعظموا قدره ويعرفوا حقه وما خفي عليهم من أمره هو رحمة من الله تعالى بهم إلا ظهر لهم مع عدم قيامهم بالحقوق, لكان فتنة والله تعالى أرسله رحمة للعالمين، فكانت النعمة فيما ظهر والرحمة فيما استتر, فلولا أن الله تعالى ستر جمال صورته كما قيل بالهيبة والوقار وأعمى عنه آخرين لما استطاع أحد النظر إليه بهذه الأبصار الدنيوية الضعيفة انتهى.
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
لو بدت ذرة من جوهرة حقيقة أحمدية كنهه في الآخرة لتلاشت لـها الجنة ولم يبق لـها رسم ولا طلل لأنه صلى اللـه عليه وسلم النسخة الذاتية، فلون الماء لون إنائه.
قال أهل المعارف-رضي الله تعالى عنهم-: أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كنخلة اجتمع فيها قوة الخلق أصلها في الأرض وفرعها في السماء وهي مثمرة من أرضها إلى منتهى فرعها, وكل واحد من الخلق قوته منها على حسب قوته ونهاية طاقته ورأسها متمنع عن الجميع؛ لامتناع وصول البشر إلى السماء. ( كما في الخبيئة)
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
بل نقول أنّ الكنه الأحمدي تتسور على محراب الاطلاع عليه بصائر الخلائق، ولا عقلوهم، ولا أرواحهم، ولا إدراكاتهم، ولا كشوفاتهم، ولا اطلاعاتهم، لا في الدنيا، ولا في البرزخ، ولا في عالم القرار أيضًا؛ لأن وصفه صلى الله عليه وسلم من وصفه سبحانه، ونعته من نعته وهو القائل: «ما عرفني حقيقة غير ربي».
وقد قال الشيخ الأكبر في شرحه لترجمان الأشواق:
كل من الخلق واقف عند حجاب العزّة الأحمى فعند هذا الحجاب تنتهي علوم العالمين، ومعرفة العارفين ولا يصح لأحد أن يتعدى هذا الحجاب، ولو كان من أكابر الأحباب,انتهى.
قلت: وحجاب العزة الأحمى هذا هو رداء الكبرياء المعنون عنه بالحقيقة الأحمدية فإليه ينتهي علم العالمين، ومعرفة العارفين، ولا يصح رفعه لعين من أعيان الممكنات فعليه يقع التجلي، وفيه تقع المشاهدات، وعنه تفاض التجليات, فافهم.
وقال سيدي البيطار :
قال ..فلا يدرى لحقيقته صلى الله عليه وسلم غاية ولا يعلم لها نهاية ، فهو من الغيب الذي يجب أن نؤمن به ..