( النبوة الأحمديّة )



                         قال الشيخ أحمد التجاني الحسني قدس الله سره :
وإيّاك أن تفهم من هذا أنّ حقيقته المحمّديّة كانت عريّة عن هذا قبل النبوّة ، فلا يصحّ هذا الظنّ بل حقيقته المحمّديّة لم تزل مشحونة من جميع هذه المعارف والعلوم والأسرار من أوّل الكون من حيث أنّه أوّل موجود أوجده الله تعالى قبل وجود كلّ شيء وفَطَرَهُ على هذه العلوم والمعارف والأسرار ، ولم يزل مشحونا بها إلى أن كان زمن وجود جسده الكريم صلّى الله عليه وسلّم فضُرِب الحجاب بينها وبين عِلْمِه بها صلّى الله عليه وسلّم إلى أن كان زمن النبوّة فرُفِعَ الحجاب وأطلعه على ما أودعه في حقيقته المحمّديّة ممّا ذُكر أوّلا وما خاطبه به في قوله : مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ، أخبر عن حالة احتجاب ما كان في حقيقته أوّلا عن علمه صلّى الله عليه وسلّم بها فقط لا أنّها لم يكن العلم بها في حقيقته ، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم قبل النبوّة من حين خروجه من بطن أمّه لم يزل من أكابر العارفين ولم يطرأ عليه حجاب البشريّة الحائل بينه وبين مطالعة الحضرة الإلهيّة القدسيّة ، وكان من أفراد العالم ، الفرد نسبته إلى عموم العارفين والصدّيقين كنسبة العارف بالله إلى العامّة لا يعرفون شيئا ، وكان في تلك المرتبة صلّى الله عليه وسلّم متحقّقا بمرتبة أنْ يأخذ العلم عن الله بلا واسطة ولا يجهل شيئا من أحوال الحضرة الإلهيّة ، ولم يطرأ على شمسه في هذا المحلّ أُفُوالٌ صلّى الله عليه وسلّم ، والعلم بالله تعالى الذي هو عند الأفراد العارفين ثابت له في هذه المرتبة وإنّما حجب الله عنه في هذا الميدان ماهيّة الرسالة ومطالبها وما يؤول إليه وما يراد منها ، وكذا حجب الله عنه العلم بكيفيّة نزول الكتب وما يؤول إليه وما يراد منه وما الأمور التي تطلبه في نزول الكتب ، حتّى إذا بلغ مرتبة النبوّة رفع الحجاب بين علمه وبين ما كان مُودَعًا في حقيقته المحمّديّة من العلوم والمعارف والأسرار ، ويدلّ على هذا الذي ذكرناه قولُه صلّى الله عليه وسلّم : « كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » ، وحيث كان في ذلك الوقت نبيّا يستحيل أن يجهل الرسالة والنبوّة والكتاب ومطالبات الجميع وما يؤول إليه كلٌّ منها وما يُراد من جميعها ، فالحديث شاهد على ما ذكرناه .
ويدلّ على ذلك أيضا أنّه صلّى الله عليه وسلّم قبل وجود جسده الكريم ما بعث الله نبيّا ولا رسولا في الأرض إلاّ كان هو صلّى الله عليه وسلّم مُمِدّ ذلك الرسول أو النبيّ من الغيب من حيث أنّه لا يتأتّى نبيّ ولا رسول أن ينال من الله تعالى قليلا ولا كثيرا من العلوم والمعارف والأسرار والفيوض والتجليّات والمواهب والمنح والأنوار والأحوال إلاّ بواسطة الاستمداد منه صلّى الله عليه وسلّم ، وهو المُمِدّ لجميعها في عالم الغيب فكيف يمدّهم بما هُمْ علماء به وهو جاهلٌ به صلّى الله عليه وسلّم . و لم يزل يركض في هذا الميدان ركضا لا تماثله فيه الأرواح ولا تشمّ لمقامه الأعظم فيه رائحة . وهو فيما قبل وجوده صلّى الله عليه وسلّم كحالة علمه بعد رسالته في الفيض والمَدَدِ على جميع الأنوار وإنّما حجب الله عنه هذه الأمور - أعني عن عِلْمِهِ صلّى الله عليه وسلّم بعد وجود جسده الشريف وقبل نبوته - وهي مكنوزة في حقيقته المحمّديّة لسرٍّ عَلِمَهُ الله ، فالاحتجاب لا يطلع عليه غيره . وسرّ ذلك سدل الحجاب على النبي صلّى الله عليه وسلّم إذْ لو كشف الله له قبل النبوّة ما أدرجه في حقيقته المحمّديّة وتكلّم به قبل زمن الرسالة والبعث لوقع الريب في نفس المدعوّين فيما تحدّث لهم به من الرسالة ، يقولون له إنّما كنتَ تتكلّم بهذا الأمر من أوّل أمْرك ، نقلتَه عن غيرك ، لست نبيا ، فستَرَه الله عنه كي لا ينطلق . فلمّا كان زمن النبوّة رفع الله الحجاب عنه وما أرى الله الناس فيه صلّى الله عليه وسلّم قبل نبوّته من كونه أميّا لا يعلم شيئا ولا يدري شيئا ولا وقعتْ له مخالطة أحد من أهل الكتب أو القرب منه ليكون إذا كلّمهم بما كلّمهم به من أحوال الرسالة والنبوّة يعلمون أنّ ذلك حقّ لكونه صدر من أمِيٍّ لا يعلم شيئا ولم يكن ذلك إلاّ نبوّة . فهذا سرّ الاحتجاب ، وشاهد هذا قوله سبحانه وتعالى : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ .

( سريان النور المحمدي )



                              لسيدي صلاح الدين القوصي رضي الله عنه
إن نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يسرى بالهداية فى البشر أجمعين .. وأنه لا يصدر فعل بر من مخلوق الا بسريان نور محمد صلى الله عليه وسلم فيه ...
فالذين يستشعرون هذا النور معهم .. ويتذوقون هذه المعانى العالية .. فهم فى الحقيقة يكونون فى أنوار الحضرة المحمدية .. أسرار الحضور النبوى .. فيكون لهم أدب خاص فى مجالسهم وحديثهم ومعاملتهم ... وعلى قدر حضورهم فى هذه المعية المباركة .. على قدر ما يكون سمو أخلاقهم ... وعلى قدر ما يكون سمو أخلاقهم على قدر ما يكون حضورهم فى هذه المعية المباركة ..
فحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..هى النور .. والبر .. والطاعة لله تعالى .. والخير كله .. ولا يكون فيها الشر .. ولا يكون لابليس فيها جلس ...
فعباد الله تعالى الخالصين المخلصين .. يعيشون فى حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. تحيطهم أنوار النبوة والرسالة .. وأنوار الهداية والطاعات ... ومن هنا كان قول كثيرمن الصالحين أمثال " أبى الحسن الشاذلى " و " أبى العباس المرسى " وغيرهم " لو غاب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسى من المؤمنين " ... حضرة روح حبيبى تسرى*** والأكون بها تتجدد
حيث تلفت روح فؤادى *** يفرح بالانوار ويسعد
روح حبيبي تسرى فينا *** حتى يثمرحجرأجرد
كل حياة الكون اليه *** وروح الروح اليه تودد
كل حجاب" القدس" عليه *** ومنه" النار" .. ونور الفرقد
كل الخلق تجمع فيه ***فكيف يكون الشكل محدد ؟؟
نور الله .. وسر الله .. ***وكنز الله حوى فتفرد

العجز عن إدراك الحقيقة المحمدية



وقال الشيخ يوسف بن محمد المغربي قدس الله سرّه :
فكانت الحيرة فيه صلى الله عليه وسلم على حسب معرفته ، وكما يليق بمقامه وعلو منزلته ، وحقيقة ذلك لم يدركها أحد بفهمه " ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بماشاء " الله من ظواهر الأمور دون بواطنها ، وجليّها دون خفيّها ، فالفهوم كلّت والعقول وقفت ، وتضاءلت عن إدراك خفي سرّه ، والوقوف على حقيقة أمره ، وما يعلم ذلك إلّا الذي خصه به سبحانه وتعالى .
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
أعجب من أولئك الذين يقولون أنهم قد عرفوا الله بالعجز وما عرفوا سيدنا صلى الله عليه وسلم به أيضا، وذلك لجهلهم بأن لون الإناء لون الماء، ولو عرفوا عين يقين هذا لأقروا به قطعا، لأن الحامل على العجز فيه هو الحامل على العجز في مظهره. {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا)
وقال قدس الله سره :
اعلم أن لطلعة الحق بالنسبة لهيكلها غيوب لا تعرف فأحرى تُحصى لكن نقول بحسب التقريب أن له: غيوب الغيب الشَّهادي وباطن الغيب وغيب السر وسر الغيب وغيب الغيب وباطن سر غيب الغيب.
وقال في لسان الحجة :
فلقد طلسَمَت العناية الإلهية على الحقيقة المحمدية أن تُعرف، وأكَنَّتها الغيرة السبحانية أن توصف، وأبطنتها تحت سجاف الجسمانية الكونية، وسترتها تحت ميادين الأكناف الحسية:
ستر الحسن منه بالحسن، فاعجب ** لجمال له الجمــــــــــــــــــــال وقاء
وقال سيدي عبد الكريم الجيلي قدس الله سره :
أم الكتاب : عبارة عن ماهية كنه الذات المعبر عنها من بعض بماهية الحقائق التي لا يطلق عليها إسم ولا نعت ولا وجود ولا عدم ولا حق ولا خلق ..اهـ
وقال الشيخ التجاني قدس الله سره :
وحقيقة سريان قيوميته في الوجود ، لا مطمع للعقل في دركها ، ولا أن يحوم حول حماها ، فما وصل إليها أحد من الخلق، ولا عرف لها كيفية ولا صورة ، وكل الوجود في حجاب عن هذا الإدراك ، حتى أكابر الأنبياء والمرسلين عليه السلام ، كلهم لم يشموا لها رائحة ، ومن دونهم أحرى وأولى .
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
ثم إن هذا أمر لا مرمى دون مرماه، ولا كشف لأحد عن باطن ظاهر محياه، حتى للأنبياء والرسل عليهم من ربهم السلام، فإنما لهم الاطلاع على غيوب ستة، وأما الغيب السابع فانفرد الحق بمعرفته على سبيل الإجمال والتفصيل لما اقتضاه وجوب العلم الذاتي، وهذا المشار لـه بالروح في آية الاسراء، ومجموع هذا هو المشار له بقولـه : "أنزل القرآن على سبعة أحرف"، فيما أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن أبي بن كعب، والإمام أحمد عن حذيفة.
والمراد بالقرآن هاهنا بطريق مراده صلى الله عليه وسلم : حقيقة الحقائق، أحدية الكل الجمعي المطلق السارية في جميع المقتضيات والتعينات. والمراد بالأحرف الحضرات الواقع فيها الظهور للأثرات الكيانية على سبيل النشر التفصيلي من الكنزية في صرافة البحتية، ثم عين الماهية، ثم غيب الغيب، ثم غيب السر، ثم سر الغيب، ثم العما، ثم الأحدية أعني بحسب التدلي، وفيها ظهور حكمي للأحمدية الصرفة أعني حين كانت في جوهرية العما. وقد أشير لذلك بقول القرآن {الذي يريك حين تقوم وتقلبك في السجدين} تفهم جدا.
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره: في الطلاسم :
.. فصرف الأعمار والقوى في التهتك في ما لـه صلى الله عليه وسلم وذكر شئونه ونعوته وكمالاته غير كاف ، أعني بحسب الإجمال، وإلا فتفصيلُ ما لـه صلى الله عليه وسلم من المقتضيات على سبيل الكنه لا سبيل لإدراك ما ذكر، وهذا أمر عندنا عام في عالم الشهادة وعالم الغيب وعالم البرزخ وعالم القرار، لأن وصف العارف من وصف معروفه فقد تخلق صلى الله عليه وسلم بالأسماء الإلـهية الذاتية ومن جملة الأسماء اسم الـهوية فتخلق به صلى الله عليه وسلم ومن يوم انبسطت عليه أشعة مقتضى هذا الاسم وهو صلى الله عليه وسلم مجهول عند جميع العوالم فلم يدرك لـه قرار ولا حد و لا مطلع. فكما أن الجناب الأقدس جل جلالـه مجهول لا يعرف {وما قدروا اللـه حق قدره} كذلك مظهره صلى الله عليه وسلم الذي هو العالم الكبير هيولى سائر المواد الكلية والجزئية البسيطة والمركبة، فكل العالمين من العرش إلى الفرش كلـه عالم صغير بالنسبة لـه فما العوالم كلـها إلا قائمة من قوائم عرشه المحيط صلى الله عليه وسلم ، وما ذلك إلا لأنه سُقِي من جميع الأسماء الذاتية .
وقال في بعض كتبّه محقّقا لقول الإمام البوصيري قدس الله سره :
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته  ** قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
إن قلنا مفهوم الدنيا على حد قوله.. أفاد أن في الآخرة تدرك وهذا عندنا لا يمكن إذ لو بدت ذرة من جوهرة حقيقة أحمدية كنهه في الآخرة لتلاشت لـها الجنة ولم يبق لـها رسم ولا طلل لأنه صلى اللـه عليه وسلم النسخة الذاتية، فلون الماء لون إنائه، وإن قلنا لا مفهوم للدنيا يعني وكذلك الآخرة عكر عليه قولـه: قوم نيام، لأن الناس إذا ماتوا انتبهوا كما ورد .
فكان عليه أن يقول وكيف يدرك في الأخرى حقيقته والناس نيام بحسب هذا الإدراك، وهذا وإن لم ينبه عليه أحد فدونك هذا التحقيق .
وقال الشيخ الآلوسي في  يا أيها المدّثر:
قال بعض السادة : أي يا أيها الساتر للحقيقة المحمدية بدثار الصورة الآدمية أو يا أيها الغائب عن أنظار الخليقة فلا يعرفك سوى الله تعالى على الحقيقة إلى غير ذلك من العبارات والكل إشارة إلى ما قالوا في الحقيقة المحمدية من أنها حقيقة الحقائق التي لا يقف على كنهها أحد من الخلائق وإنها التعين الأول وخازن السر المقفل وأنها وأنها .. إلى أمور هيهات أن يكون للعقل إليها منتهى.
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى * في القرب والبعد منه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين مـن بعـد * صغيـرة وتكـل الطـرف مــن أمــم
وقال الشريف الجرجاني رحمه الله :
)الروح الأعظم ) : هو مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها، ولذلك لا يمكن أن يحوم حولها حائم، ولا يروم وصلها رائم، ولا يعلم كنهها إلا الله تعالى، ولا ينال هذه البغية سواه .
وقال العلامة الشامي رحمه الله :
في شرحه لإسمه الباطن صلى الله عليه وسلم معناه في حقه الذي لا تدرك غاية مقامه ، وعظم شأنه الذي خصه الله به ، لقصور العقول عن ذلك .
وقال الامام القسطلاني رحمه الله :  
إعلم أنّه لاسبيل لأحد إلى الإحاطة بنقطة من بحار معارفه ، أو قطرة مما أفاضه الله عليه من سحائب عوارفه ..
وقال سيدي أبو المواهب الشاذلي رحمه الله :  
رأيته صلى الله عليه وسلم مرة فقلت له : ياسيدي قول البوصيري : فمبلغ العلم فيه أنّه بشر
معناه : منتهى العلم فيك أنّك بشر عند من لا علم له بحقيقتك ، وإلّا فأنت من وراء ذلك بالرّوح القدسي ، والقالب النبوي ، فقال صلى الله عليه وسلم : " صدقت " .
وللشيخ الكتاني قدس الله سره في الطلاسم :
ولو فرضنا يا ولي رجلا أُعطى قوة كل ملك على حدته وعلى مراتبهم، وأُعطى قوة جميع الأولياء ودخل عليه صلى الله عليه وسلم لَهَالَهُ ما يرى منه وتنفتك أزرار هيكل ذاته وتنفصم عرى أرجائه وتنحلُّ تراكيبه ويصير طريحا ملقى على الأرض مما أصابه من عِظَمِ تجليات ذاته، وعدم حمله لحمل أعباء ما قوبل به، وكيف لا وهو نسخة الذات الحاوية لجميع الكمالات. ولأجل هذا لم يكن جبريل يأتي إليه على صورته الأصلية التي خلق عليها لأنها صورة هائلة، وربما يشم من الإتيان على تلك الكيفية صورة إظهار التعاظم والتفاخر والتعالي، مع أن ذلك البساط لا يقاومه عظيم بعظمته ولا عزيز بعزته ولا قوي بقوته ولا شديد بشدته. بل على عتبة باب خيامك يا محمد تخضع جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى تراب عتبتك تنزل ركائب الخلق أجمعين، وبمرعى فيضك تخنس جميع ليوث الحضرة يا قائد الركب بين القائمين.
وقال الامام الكتاني في الطلاسم :
... ولولا تنزله في تلك الحضرات ما عرف لـه الاسم فأحرى المسمى، ومع تنزله فلا يعرف إلا على قدر الاستغراق والاستهلاك فيه . وهاهنا ترجمت في بعض الصلوات: "الذي هام الكل في مهامه بداية نقط دوائر هياكل آدميته، ووله الكل في هيمنة محيط عرش ظهور عوالم إنسانيته، فلا يعرف إلا على قدر قابلية الكمال المنبسطة منه إليه في بين الدقائق المحوية في بحر قاموس حسن مفاوز سلطنة الهوية الأحمدية المحمدية الملكية..الخ".
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
تفصيلُ ما لـه صلى اللـه عليه وسلم من المقتضيات على سبيل الكنه لا سبيل لإدراك ما ذكر، وهذا أمر عندنا عام في عالم الشهادة وعالم الغيب وعالم البرزخ وعالم القرار، لأن وصف العارف من وصف معروفه فقد تخلق صلى اللـه عليه وسلم بالأسماء الإلـهية الذاتية ومن جملة الأسماء اسم الـهوية فتخلق به صلى اللـه عليه وسلم ومن يوم انبسطت عليه أشعة مقتضى هذا الاسم وهو صلى اللـه عليه وسلم مجهول عند جميع العوالم فلم يدرك لـه قرار ولا حد و لا مطلع.
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
كما أن الجناب الأقدس جل جلالـه مجهول لا يعرف {وما قدروا اللـه حق قدره} كذلك مظهره صلى اللـه عليه وسلم الذي هو العالم الكبير هيولى سائر المواد الكلية والجزئية البسيطة والمركبة، فكل العالمين من العرش إلى الفرش كلـه عالم صغير بالنسبة لـه فما العوالم كلـها إلا قائمة من قوائم عرشه المحيط صلى اللـه عليه وسلم، وما ذلك إلا لأنه سُقِي من جميع الأسماء الذاتية، ولما سقي منها صار ذاتيا وغيره من ساداتنا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام صفاتيون بالنسبة إليه .
وقال الإمام الخروبي رحمه الله :  
حقيقة المصطفى صلى الله عليه وسلم سر لطيف من أسرار الحق تعالى لا يطلع عليه في الدارين سوى الرب جل جلاله ولا يكشفه أحد غيره لا نبي مرسل ولا ملك مقرب أو حقيقة أحمديته من السر المكنون والأمر المصون الذي انفرد به الحق تعالى وما أدرك الموقنون منه إلا ظاهر صورته المحمدية وهو الذي عبر عنه أو يس القريني صلى الله عليه وسلم بالظل، وقال لأصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم: ما رأيتم منه إلا ظله .
فما أدرك الناس من حقيقة أمره وخفي سره إلى على قدر عقولهم البشرية فما ظهر من ذلك هو نعمة عليهم ليعظموا قدره ويعرفوا حقه وما خفي عليهم من أمره هو رحمة من الله تعالى بهم إلا ظهر لهم مع عدم قيامهم بالحقوق, لكان فتنة والله تعالى أرسله رحمة للعالمين، فكانت النعمة فيما ظهر والرحمة فيما استتر, فلولا أن الله تعالى ستر جمال صورته كما قيل بالهيبة والوقار وأعمى عنه آخرين لما استطاع أحد النظر إليه بهذه الأبصار الدنيوية الضعيفة انتهى.
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
لو بدت ذرة من جوهرة حقيقة أحمدية كنهه في الآخرة لتلاشت لـها الجنة ولم يبق لـها رسم ولا طلل لأنه صلى اللـه عليه وسلم النسخة الذاتية، فلون الماء لون إنائه.
قال أهل المعارف-رضي الله تعالى عنهم-: أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كنخلة اجتمع فيها قوة الخلق أصلها في الأرض وفرعها في السماء وهي مثمرة من أرضها إلى منتهى فرعها, وكل واحد من الخلق قوته منها على حسب قوته ونهاية طاقته ورأسها متمنع عن الجميع؛ لامتناع وصول البشر إلى السماء. ( كما في الخبيئة)
وقال سيدي الكتاني قدس الله سره:
بل نقول أنّ الكنه الأحمدي تتسور على محراب الاطلاع عليه بصائر الخلائق، ولا عقلوهم، ولا أرواحهم، ولا إدراكاتهم، ولا كشوفاتهم، ولا اطلاعاتهم، لا في الدنيا، ولا في البرزخ، ولا في عالم القرار أيضًا؛ لأن وصفه صلى الله عليه وسلم من وصفه سبحانه، ونعته من نعته وهو القائل: «ما عرفني حقيقة غير ربي».
وقد قال الشيخ الأكبر في شرحه لترجمان الأشواق:
كل من الخلق واقف عند حجاب العزّة الأحمى فعند هذا الحجاب تنتهي علوم العالمين، ومعرفة العارفين ولا يصح لأحد أن يتعدى هذا الحجاب، ولو كان من أكابر الأحباب,انتهى.
قلت: وحجاب العزة الأحمى هذا هو رداء الكبرياء المعنون عنه بالحقيقة الأحمدية فإليه ينتهي علم العالمين، ومعرفة العارفين، ولا يصح رفعه لعين من أعيان الممكنات فعليه يقع التجلي، وفيه تقع المشاهدات، وعنه تفاض التجليات, فافهم.
وقال سيدي البيطار :
قال ..فلا يدرى لحقيقته صلى الله عليه وسلم غاية ولا يعلم لها نهاية ، فهو من الغيب الذي يجب أن نؤمن به ..

( العجز عن الإدراك إدراك )



قال سيدنا ومولانا الشيخ الجيلاني رضي الله عنه :
.. كم سافرت العقول في ميادين الغيوب ، وكم طارت ىالافكار من أوكار أوطارها إلى رياض العلى ، تطلب نسمة من نسمات هذا الشرف الاعلى ، وتطمع في نفحة من نفحات هذا الروض الأغر، وتتعلل بالخوض في لجج كل بحر، فما وجدت الى ماطلبت سبيلا .
قال الشيخ الكتاني قدس الله سره :
فَخُلُقٌ اسْتَعْظَمَهُ رَبُّهُ كَيْفَ يُعَبِّرُ عَنْهُ أَحَدٌ وَيُقَالُ فِيمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ نَزْرٍ إِنَّهُ إِفْرَاط. بَلْ مَعْرِفَةُ عَيْنِ حَدِّهِ وَالتَّعَلُّقُ بِبُلُوغِ قَدْرِهِ لَوْ بَلَغَ المُبَالِغُ فِيهِ غَايَةَ جَهْدِهِ يُقَالُ لَهُ إِرْجِعْ حَائِراً فَإِنَّكَ مَحْرُومٌ مِنْ ذَالِكَ البِسَاطِ. وَقِفْ خَاسِراً فَكَيْفَ تَحُومُ حَوْلَ مَا لاَ تَبْلغُهُ إِرْجعْ إِلَى الحَضِيضِ الأَوْطَدِ فِي الإِنْحِطَاطِ »
وقال قدس الله سره :
في قوله سبحانه ( ورفعنا لك ذكرك) بأن لم يعرفك غيرنا، ولم يكشف ذلك الفص غيرنا.{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} {قل الروح من أمر ربي)
وقال قدس الله سره في السانحات :
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) بِتَفَرُّدِنَا بِمَعْرِفَةِ كـــُنْهِ إِحَاطَةِ مَرَاتِبِ مَكْنُونَاتِهِ، وَجَعَلْنَا لَهُ غَيْباً مِنْ غُيُوبِ غُمُوضِ سِرِّ سِرِّنَا بَلْ مِنْ نُقْطَةِ هُوِيَةِ هُوِيَاتِهِ ، فَلاَ مَرْمىً دُونَ مَرْمَاكَ، وَلاَ اطِّلاَعَ عَلَى بَعْضِ جُزْءِ بَاطِنِ مُحَيَاكَ؛ فَأَنْتَ المَعْرُوفُ وَالمَجْهُولُ، وَالمَوْصُولُ وَالوُصُولُ، لاَ تُدْرِكُ أَبْصَارُ الحَوَادِثِ حَقِيقَةَ كُنْهِكَ.
وقال الشيخ التجاني قدس الله سره :
وأما حقيقة سره فلا مطمع لأحد في دركه ، لامن عظم شأنه ولا من صغر ، وسره هو المعني بالحقيقة المحمدية التي هي محض النور الإلهي ، التي أعجزت العقول والإدراكات عن إدراكها وفهمها .
وقال الشيخ الكتاني قدس الله سره : في كشف البراقع :
(قل الروح من أمر ربي ) ليس المراد بالرّوح عند الله هاهنا إلا الروح الكليّة، الهيولى القابلة لارتسام جميع الأشكال والصور السارية في جزئيات النواسيت، من أمر ربي أي: العلم المختص بربي، وهو المشار لـه بقوله: " والله ما عرفني حقيقة غير ربي"، يعني في الحال والماضي والاستقبال، إذ الأزمنة في حقه تعالى سواء. »
وقال قدس الله سره :
ولك أن تقول في معنى (خلق الله آدم على صورته ) المراد بآدم الأكبر، والمراد بالصورة ما هو عليه ، من كونه لا تدرك أبصار عقول الحوادث حقيقة كنهه، فليس لهم من معرفته صلى الله عليه وسلم إلّا بعض ما يتعلق بصفاته ونعوته وشؤونه ومقتضياته ، وبعض ما له من الكمالات الظاهرة والباطنة. »
قال سيدي أويس القرني قدس الله سره :
قال لسيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما لمّا إلتقياه : لم تريا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ظله قالوا : ولا ابن أبي قحافة ، قال : ولا ابن أبي قحافة ، ذلك أمر عجز عنه أكابر الرسل فلا مطمع فيه لغيرهم .
قال سيدي أبو يزيد البسطامي قدس الله سره :
غصت لجة المعارف طالبا للوقوف على الحقيقة المحمدية فإذا بيني وبينها سبعين ألف حجاب من نور ، لو دنوت من أدناها ، لاحترقت كما تحترق الشعرة بالنار .
و يقول الشيخ الأكبر قدس الله سره :
المقام المحمدي ممنوع الدخول فيه ، وغاية معرفتنا به النظر إليه كما ينظر في الجنة إلى عليين .
ويقول سيدي ابن عطاء السكندري قدس الله سره :
وقال لي رب الأرباب : الإسم الأعظم سر الحقيقة المحمدية : وهو سر قلبك ، وقطب وجودك  .
وقال الكتاني قدس الله سره :
سمعت سيدنا ومولانا في بعض المشاهد يقول : { لا مرمى دون مرماي، ولا كشف لأحد عن طلعة ظاهر باطن مُحَيَّاي {قل الروح من أمر ربي ) ما عرفني حقيقة غير ربي.
وقال قدس الله سره :
وسألته صلى الله عليه وسلم عن حقيقة الاصطحاب هل كانت أم لا ؟ فقال لي صلى الله عليه وسلم: اتحد الإسم والمسمى، وتخلل الطلسم المُعمَّى . فقلتُ: هل من أول قدم؟ فقال لي على ما جرى في القِدم. لكن آونة يغيب الناسوت في اللاهوت ويظهر اللاهوت في الناسوت. ووقتا يغيب اللاهوت في اللاهوت ويبقى الناسوت للناسوت. فحين ظهوره أكون مخيط العين بخط: لست كهيئتكم إني أبيت أظل. وحين غيبوبة اللاهوت في اللاهوت أكون مخيط العين بخط : {إن الذي فرض عليك القرءان لرادك إلى معاد} أي لرادك للوح معاد هوية بطون غيب حقائق كليات {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} طمسا وتجريدا عن الإدراكات والإحاطات، وحين بقاء الناسوت للناسوت أكون مخيط العين بخط إنما أنا عبد {إنما أنا بشر مثلكم} أعني مع استقرار المعنى في المغنى وقيموميتها بالفهوانية واستغراقها باللهوانية :
فؤادي عند مشهودي مقيم  ** يشاهده وعندكم لساني
لا يشغلني هو عن هو حين أكون أنا بأنا بل لي القوة من الجهتين:شؤون الخدمة، ومقتضيات الحضرة. لأني شارب بكلتا الكأسين، ومصل بمحراب جمع العين.
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي
وقال الامام الكتاني قدس الله سره :
إن ماهية التعين الأول، العقل الفياض لا سبيل لدرك إدراكه في عالم الجنة، فأحرى في البرزخ، فأحرى في عالم التقييد هذا، فافهم وتدبر وإياك والعطب.
و قال قدس الله سره : 
فكما أن الذات الأقدس ذات محسوسة لا تدرك منفردة بالأضداد، كذلك ظاهرها الذي هو لون هُوِّيَّتها وماهيتها، وذلك لأن لون الماء لون إنائه .
وقال الشيخ التجاني قدس الله سره :
أما الحقيقة المحمدية هي مرتبة لاتعرف ولا تدرك ولا مطمع لأحد في نيلها من هذا الميدان ، ثم استأثرت بلباس من الأنوار الإلهية واحتجبت بها عن الوجود ، فهي بعد هذا اللباس تسمى روحا ، وهذا غاية إدراك النبيين والمرسلين ،ثم استأثرت بلباس آخر فسميت عقلا ، ثم استأثرت بلباس آخر فسميت نفسا، ومن بعد هذا ظهر جسده الشريف صلى الله عليه وسلم ، والاولياء مختلفون في الإدراك لهذه المراتب ، فطائفة غاية إدراكهم نفسه الزكية صلى الله عليه وسلم وطائفة غاية إدراكهمم عقله الأنفس صلى الله عليه وسلم وطائفة وهم الأعلون بلغوا الغاية القصوى في الإدراك ، فأدركوا حضرة روحه المقدسة صلى الله عليه وسلم ولا مطمع لأحد في درك الحقيقة في ماهيتها التي خلقت عليها .