تمهيد


     حمدا لمن تجلّى بذاته لذاته في غياباته عموته ، فعين لنا مظهرا جامعا لشؤونه ونعوته ، وصلاة  أزليّة هوّيّة بلسان العجز والإفتقار ، على يوح السبحات السبوحيّة ، وعلى مشارقها ومغاربها ، سلام وغرام . أمّا بعد :
فإنّ التّعريف بالحضرة السيّاديّة ، لمن شأن أهل الحقيقة والعرفان ، وذلك لما تتفرّد به فخامتها من بطون ذاتيّة ، وغيوب صفاتيّة ، تحار في إدراكها البصائر النيّرات ، بله الأفهام المحجّبات .
أجل إنّ له صلى الله عليه وسلم وجودا ، ولكنه ليس كالموجودات ، وله حقيقة وليست كالحقائق ، لكونه يتيم جنسه ، وفريد سنخه ، تحققا بالأحديّة الأميّة ، التي هو لها المثل الأعلى في الوجود .

ولهذا كانت المدارك العزميّة والهمميّة ، ولازالت تتعرّف على كوامن كينونته صلى الله عليه وسلم ، بكلّ ما أوتوه من مكنة في الفتوحات ، ولكن تبقى أنيّته معمّاة ، في كهوف الهاهوت الحرام ، وأولئك ما يتعرفون إلّا على ما يطيقون ، وأنّى يحيطون بمحيطه المطلق !!

وليت عجزي إذا كان الجهل ديدن أرباب المعارج ، فماذا يقول أمثالي من أهل القيل والدّليل ، في التّعريف بحقيقة الحقائق ، وغيب الغيوب ، وسرّ الأسرار ، ولكن ما نتعلّل به أنّه ما لايدرك كلّه ، لا يترك كلّه .

                                                        }ماهية الكنه {
ومن المعلوم ضرورة عند أهل العرفان ، أنّ للحضرة المحمّديّة : حقيقة ، وروحا ، وجسدا ؛ وماهي إلّا حضرة واحدة ، ولكنّ حضرة الرّوح وحضرة الجسد ، هما كالتنزلين عن الحقيقة القدسيّة اللطيفة ، تلك التي برأتها الذّات حقيقة ، فلا هي من الجنس الطيني البشري ، ولا من الجنس الملكي الروحاني .

ولا زال الوجود يتساءل ، ما هي الحقيقة المحمّديّة ؟ ، ولا يزال الدّهر يجيب : الحقيقة المحمّدية هي الحقيقة المحمّديّة ! فلإن تعجب ، فعجب هذا الخبر ؛ فلقد غابت معالم الحدود ، فتاهت مدارك العرفان والشّهود .
وكيف لا وهي نسخة الذات الأقدس ، المنزهة عن القيود والحدود ، والتوصيف والتكييف والتعريف ، فتلك حقا صبغة الإطلاق ، طبقا لجرادة الأحاد .
فوجب من العجز عن تحديدها ، ما يجب لمحتدها الحقّاني ؛ فكما نعتقد أنّ الذات لا تعرف كما هي ، وأنّ كلّما خطر ببالك فالذات خلاف ذلك ، فذلك يستلزم أنّ : كل ما خطر ببالك فمجلى الذات خلاف ذلك .
من أجل ذلك بقي عين السؤال عن الماهيّة ، علما على كنهها ، فلإن قيل لك ، ما هو السر المحمّدي ، أو ما هو كنهه ، أو ما هي حقيقته ، أو ما هي هويته ، فقل هي الحقيقة المحمّديّة ، وكفى بهذا حيرة ، وكفى به دليلا . 

ومع كلّ هذا الإعجاز والإعجام في الحقيقة ، ولكن يجوز تعريفها ببعض شؤونها ، وذلك في معرض التّعريف  فقط  ، وإلّا فلا  ؛ وهذا كثير عند العارفين  ...