(الشيخ الأحسن البعقيلي الحسني قدس الله سرّه )



( الحقيقة المحمدية ) : هي المديرة المحيطة بجميع أجزاء داخلها ، وهي أول ظهور في مرتبة الوحدة ، وأول أصل من أصول الوجود ، أبرزتها يد الربوبية إفضالاً، وجعلتها وقاية لما في داخلها من الاحتراق بسبحات الجلال ، وهي الحجاب الأعظم الثاني بين الحق والخلق. والحجاب الأول سطوة أنوار الجلال وبهاء الجمال. وهي منبت الخلائق ومنبعها ومفرعها ، ومكسب سعادة وجودها وإمدادها ، والحافظة لنظام بقائها ونعيمها ، ومركز سراية تجليات صفات وأسماء وقدرة ربها. وهي اقتطاع من النور المكرم ، وهي عين الإمكان تمد الوجود وجوداً والعدم خفاءاً وظلمة .
وهي الرحمة المتنوعة الى رحمتين: عامة وخاصة (فالعامة) رحمة الإيجاد والإمداد بالتنمية رزقاً وأطواراً ، فهي السبب لكل تجلٍ إلهي مناسب لأهل الدنيا والبرزخ والآخرة ، مسلمين أوكافرين (والثانية) مختصة بأهل الخصوصية من قلوب العارفين من الأنبياء والأولياء والملائكة ، وهي التي توقفهم بين يدي ربهم وتمدّهم بالمعرفة والسعادة الأبدية وإفاضة الفيوضات الأقدسية ، بحيث لا يصل أحدٌ إلى نيل شيء من ذرات السعادة إلا منه ، وهو عين الوساطة البارزة لترتيب المملكة الربانية لا غير.

( الحقيقة المحمدية ) : هي حضرة الإمكان ، وهو ما يتصور في العقل وجوده وعدمه على حد سواء لذاته ،
فلم يرد الله أن يخلق صورة أكمل من صورة الإمكان، وهو عين الحقيقة المحمدية ، مرآة مراتب الحق جل وعلا ، ومنها أبرز جل وعلا جميع ما سبق في علمه أنه يوجده من أجرام وأعراض الدنيا والآخرة ، وجعلها روحاً سارياً في ذرات الخلق سراية الماء من عروق الشجرة إلى أغصانها ، ورحمة رحمة الوالدة لأعز أولادها ، وأصلاً أصل الماء للنبات ، ومقراً قرار الماء في الكوز ، وعزاً عز الابن بأبيه. وهي أول التعينات في بحر العمى والطمس. والعمى في اللغة السحاب بين الأرض والشمس ، فإذا رأيته حاجباً لقرص الشمس وإذا انغمست فيه لم تره ولا الشمس ولا قدرة على جوازه ، وإنما يزيد الإحساس بالحرارة، وهي افتتاح الوجود واختتامه، وقوامه وعينه، وبقاؤه وعمدته، وحفظه ومظله وجنته وجنته. ومن عينيتها ظهرت عيون لقلوب الأولياء وأودية لقلوب الأنبياء والعارفين وبحور لطينة جثمانيتها التي هي آخر أطوارها ، فإنه تفضلت يد القدرة والإرادة على حسب العلم المنكشف بالحياة بالعين الأول من الحوادث ألبسها إلباسا أرادها فيها تنزلاً لإبراز الحكمة المكنونة في صدفية بطونها فصارت (روحاً)، وألبسها إلباساً أرادها وهي غاية ما يدرك الأنبياء والصديقون، فتنزل نورها فصارت (عقلاً)، فألبسها إلباس التنزل، أرادها منها حكمة فصارت (قلباً) ، فألبسها إلباس التنزل فصارت (نفسا)ً ، ومن النفس أبرز جل وعلا طينته صلى الله عليه وسلم ، فسقاها جل وعلا ما انفرد الله بعلمه ، فخلق من خميرة طينته (الصورة الآدمية) ، وهي أفضل صورة ، والصورة الملكية والجنية ، ومن روحه أرواح العارفين، ومن عقله عقول العقلاء، ومن قلبه قلوب الكمّل، ومن نفسه نفس الأوابين، فكلٌ يعمل على حسب شاكلته في مراتبه .
ثم إن جميع ما برز من الأمكنة والأزمنة والأجرام والأعراض مندرج في الحقيقة المحمدية، وليست هي مندرجة في شيء ، بل هي الأب الأول ، أبرزها إيجاداً جل وعلا زمن لا زمان ولا مكان ، وهي التي أعبر عنها ببيضة الوجود ، وهي في عمى لا فوق ولا تحت ولا جهة ، وهي الجوهرة بلا حيز ولا فراغ ، أمسكها الحق لنفسه في عمى، وهي مكان لكل متحيز وزمانه ولا مكان لها ولا زمان، بل انطمست الأبصار والبصائر دونها، فلم يخلق الله ولا أراد أن يخلق من يعرفها ولا كيفية سجودها لربها، اختص من أبدعها بها، واختصت به، فتعالت حقيقتها عن الاندراج في عقال العقل .

( فيض القدس )



لسيدي محمد المدني الحسني قدّس الله سرّه:
أيا رسول الله أشرقت *** ليلة بالنور المعجز
من سناك أزهرت *** وإشراقك المميّز
وفياض القدس جل ***عن حدود أو تحيّز
فوق الخلد فوق عدن *** بل فوق كل معزز
فحاشاك أن تحاكى *** أو بوصف الخلق تنبز
إن قلت الرضوان أنت *** كان لفظي فيك موجز
جئت من غيب لغيب *** جئت من أصل تعزز
لا أقول أين كنت *** بالكتمان نتحرز
إذ بحر الوجود غيب *** وإليك خير مركز
جزت بالرحمان أفقا *** غيرك عن هذا يعجز
تنزلت من تنزيه *** رحمة للخلق تكنز
قال أستاذي العلاوي *** وإلى قوله ألغز
كنت قبل جبروتا *** أصبحت ملكا مبرّز
برزخ في الملكوت *** من لطف فليس يحجز
شيّدت بك الأواني *** والكل إليك يرمز
فإن قلت أنت عين *** فخلق بلا تمجّز
من يطعك قد أطاع *** ربنا في القول المعجز
أعطاك خلقا عظيما *** ليس يحصر أو يحيّز
يكفيك الكتاب مدحا*** لا يفي االنظم المرجّز
والكثير كالقليل *** في التّقصير ليس يحرز
والمداني يهدي منه *** روحه مهرا منجز
راجيا عند الشفيع *** مقعدا للصدق يبرز





( طِسُ الفهم )




للإمام الحسين بن منصور قدس الله سرّه :

أفهام الخلائق لا تتعلق بالحقيقة ، والحقيقةُ لا تتعلقُ بالخليقة ، الخواطرُ علائق ، وعلائقُ الخلائق لا تصل إلى الحقائق ، والإدراكُ إلى علم الحقيقة صعب ، فكيف إلى حقيقة الحقيقة ؟ وحق الحق وراء الحقيقة ، والحقيقةُ دون الحق .
الفراشُ يطيرُ حول المصباحِ إلى الصباح ِ، ويعود إلى الأشكال ، فيخبرهم عن الحال بألطف مقال ، ثم يمرح بالدلال طمعاً في الوصال إلى الكمال ، ضوءُ المصباحِ علم الحقيقة ، وحرارته حقيقة الحقيقة ، والوصول إليه حقُ الحقيقة ، لم يرض بضوئهِ وحرارته فيلقي جملتهُ فيه ، والأشكالِ ينتظرون قدومهُ ،فيخبرهم عن النظر حين لم لم يرض بالخبر ، فحينئذٍ يصير متلاشياً متصاغراً متطائراً ، فيبقى بلا رسمٍ وجسمٍ وإسمٍ ووسمٍ ،فلأي معنىً يعود إلى الأشكال ، وبأي حالٍ بعد ما حاز ؟ صار من وصلٍ ، وصار إلى النظر ، استغنى عن الخبر ،
ومن وصلٍ إلى المنظور إستغنى عن النظر ، لا تصحُ هذه المعاني : للمتواني ، ولا الفاني ولا الجاني ولا لمن يطلب الأماني ، كأني كأني ، و كأني هو،
أو هو أني ، لا توق عني إن كنت أني .
يا أيها الظانّ ، لا تحسب أني أنا الآن ، أو يكون أو كان ، يا رب لا تظن أنني أنا ، أو أكون أو كنت ، إلا أنني العارف المتجلد ، وهذا هو حالي غير نزيه ، إن كنت له لست أنا هو .
إن كنت تفهم فافهم ، ما صحت هذه المعاني لأحدٍ سوى لأحمد ، ما كان محمدٌ أبا أحد ، حين جاوز الكونين وغاب عن الثقلين ، وغمض العين عن الأين ؟ ، حتى لم يبقى لهُ رينٌ ولا بين ، فكان قاب قوسين ، حين وصل إلى مفازةِ علم الحقيقة : أخبر عن السواد ، وحين وصل إلى حقيقة الحقيقه : أخبر عن الفؤاد ، وحين وصل إلى حق الحقيقة : ترك المراد ؛ واستسلم للجواد ، وحين وصل إلى الحق عاد فقال : سجد لك سوادي وآمن بك فؤادي ؛ وحين وصل إلى الغايات قال : لا أحصي ثناءً عليك ، وحين وصل إلى حقيقة الحقيقة قال : أنت كما أثنيت على نفسك ؛ جحد الهوى فلحق المنى ؛ ما كذّب الفؤاد ما رأى ؛ عند سدرة المنتهى ؛ما التفت يميناً إلى الحقيقة ؛ ولا شمالاً إلى حقيقة الحقيقة ؛ ما زاغ البصرُ وما طغى .

( شجرة الأنوار )




للشيخ نور الطيب رحمه الله تعالى
أنستها بالوادي العقيق فقالت *** أنا شجرة الأنوار الربانية
لوني أخـضر يـسر الناظر *** أغصاني مملوءة و دانية
ترعاني القدرة الإلهية و *** تزودني بمعارف و علوم آنية
عطائي وافر من فيض أقدس *** لا تشوبني الفصول الفانية
يثربية الموطن ليس لي *** دون مكة وجهة ثانية
فعلي سنة و أمري فرض ***من عصاني أخذته الزبانية
فرعي أصل و أصلي فرع *** و لو تكلم حتي بالسريـانية
لست شرقية و لا غربية *** زيوتي مضيئة و نورانية
سراجي منير للخلائق *** و لباسي من الحلة الرحمانية
من دني مني قد اهتدى *** و المُدْبر في زيغ و ظلمانية
أنا المصباح و المشكاة *** أنا لب جوهرة الفردانية
ذرات أنواري ملقحة*** تنقلها الرياح السليمانية
جدي آدم و هو ابن لي *** في تلك العلوم الروحانية
إرثي مصون قبلي في *** النبوءة و بعدي في القطبانية
انتهى