قال السيد الكتاني قدس الله سره
ما السّر في عدم الافتتان بسيد الأكوان،
وعدم الذهول برؤيته عند مكافحة طلعة من سعد بوجوه الزمان والمكان، وقد وقوع
الافتتان بالجمال اليوسفي حتى وصف الله سبحانه حال النسوة اللاتي رأينه بقوله: ﴿فَلَمَّا
رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ ؟
قلت: إنما لم يقع الافتتان بالجمال
المحمدي مع أنه أعطى الحسن كله لسرين جليلين عظيمين:
السّر الأول: لو ظهر حسنه المطلق،كما ظهر
حسن سيدنا يوسف u لضاع السر في البعثة وهو التبليغ،
والإنذار، والمخالطة، والمداخلة، والمداومة حتى تتجدد عليهم الكمالات والوقائع
الإلهية، والحوادث الرسالية,
فينقشع
ما بقلوبهم من تخالج الظنون والريب وافتحاش التشكيكات والأوهام والخيالات الطبيعية
المانعة لهم من إشراق شمس النبوة على سطوح قلوبهم وإشعار عقولهم ألَّا صلاح للعالم
إلا بأنوار النبوءات, ولولا نور النبوة لكان الناس بمنزلة البهائم والوحوش
الشاردة, إذ لا تعقل عن الله تعالى الأوامر والنواهي لولا المبلغ والرسول الهادي
فبنور الرسالة تهتدي الخلائق وببزوغ أهلتها تتحقق الحقائق وتنكشف الطرائق بخلاف ما
لو بدا لهم ذلك الجمال لأدهشم، وأذهلهم، وأبهتهم، وهالهم ولآثروا بالقطع القلوب
على الأيدي، وقال رشق قول المحبوبة الكبرى- رضي الله تعالى عنهما- وعن أبيها وأخيها
وأهل بيتها:
وَصَحْبُ زُلَيْخَا لَوْ رَأَيْنَ
جَبِينَهُ ** لآثَرْنَ بِالقَطْعِ القُلوبِ عَلَى الأَيْدِي
السّر الثاني: أن الله جل جلاله وعز كبريائه
وتقدس مجده أراد إظهار شفوف أصحاب سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم ووإعلاء كعبهم
في الرسوخ والتمكين، وأنهم كانوا من الله تعالى على حالة عظيمة في الفتح، والكشف،
والمعاينة، والتمكين، وثبوت الأقدام عند بدء صدمات التجلي، والولد سر أبيه، فكان
الصحابة الكرام مظهر رسول الله في تمكينه, إذ هو مرآة الله الكبرى, وطور التجليات
الإحسانية, ومظهر التجلي الأعظم، فصرت إذا أصابتهم سهام تكسرت النصال على النصال،
وأي فتح أعظم من مشاهدة الذات المحمدية بالبصر، بل وتكرر النظر إليها وتجدده
ومراجعتها، ومكالمتها والسفر معها والصلاة خلفها الآنات الزمانية، والوقوف
الدهرية، ومن وقعت له الرؤية اليقظية من أكابر أهل الفتح من هذه الأمة المحمدية
ضرب بحديثهم الطبل، وأشير إليهم بالبنان، فليت شعري ما يحصل لمطلق الصحابة من شفوف
الرقية وإعلاء أدراج مجاهداتهم وارتقاء سرادقات مكاناتهم عند ربهم جل سلطانه ويرحم
الله تعالى.
فأبان هذا الجواب الثاني قوة الصحابة
الكرام في الثبات عند لمعان فواتح التجليات، فكما كان سيدنا صلى الله عليه وسلم مظهر
التمكين والرسوخ لما رجع من الإسراء لم يتبرقع ولم يتطليس, ولا لما رآه أحد مات
مكانه لقوة عظمة ما يباده الرائي.
وانظر السر في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ
تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِوَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ أي:
أنعم الله عليه بمعرفته، وأنعمت عليه بصحبتك أي: صيرته لذلك أهلاً، فإنه تعالى
قابل إنعامه على زيد, وهو لا يحصى, فليس أهل السماوات والأرض بإنعامه عليه، الصلاة
والسلام عليه.
وفي هذا من الشفوف بالمكانة المحمدية
والجلالة المحمودية ما لا يفي به لسان ولا بنان وفيه، وهذا المقصود إعلاء رتبة
الصحابة, وأنها لا تضاهي ولا تدرك ولا يلحق شاؤها, ولا يبلغ مداها إذ جعل تعالى
إنعام الرسول عليهم بصيرورتهم أصحاب ما جعل في إنعامه هو تعالى عليهم من يوم خلقوا
إلى ما لا يتناهى على أن الإنعامات الإلهية لو لم يكن منها إلا المشي تحت القباب
المحمدية لكانت نعمة وما أُدريِك ماهية وكيف لا وجُلّ خطابات القرآن الكريم بسبب
وقائعهم وحوادثهم تتنزل . اهـ من ( خبيئة الكون)