ماهية الكنه

قال الشريف الحسني :

(  خلاصة (
ونستنتج من كلّ تلك التّعاريف الإلهاميّة ، أنّ الحقيقة السيّاديّة حمّالة أوجه ، فكلّ فرد من العارفين يعبر عنها بقدر عرفانه ؛ علما أنّ الشّيء إذا غارت بواطنه ، وتطلسمت هويته ، فإنّه تكثر فيه الإحتمالات ، وتتعدّد فيه الحدود ، وكذلك هو الشّأن في هذه الحقيقة المعمّاة .
فلا تكاد تلفى عارفا على مدى العصور ، إلّا وتجد له تعريفا مبتكرًا ، يعبّر به عن مدى فتحه بتلك الحقيقة العليّة ، ولا ريب أنّ كلّ تلك التّعاريف على الصّواب ، ولكنّ كنه الكنه من وراء كلّ ذلك ، ( وترايهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) .
 فنستخلص من تلك الألقاب التي ذكرها السّادة مايلي :
" الحقيقة المحمّديّة * الأنا * الهويّة * الكنز * العماء * المحتد * الهباء * الهيولى * الحقّ * السّرّ * القدس * النقطة * الباء * الوجود * الغاية * الوجه * الكنه * الماهيّة *  الوحدة * العقل * الكهف * الحجاب * الرقيم * الأمي * الذّاتي * الأحدي * البرزخ * الباب * المركز * آدم الأكبر * العين * القرءان * حقيقة الحقائق * الجوهرة اليتيمة  * روح الحق *  النورالذاتي  *  النّاموس الأعظم *  أم الكتاب *  نور الأنوار  *  نون  * مجلى الذات  * مرآة الذات * سر الإرادة  * الظلّ * غيب الغيب * الفيض الأقدس * القطب الأعلى * الإسم الأعظم * الحق المخلوق به ...
 ولقد كثرت وتشعّبت الألقاب فيها ، ولكن لا مشاحة في المسمّيات ، فسيبقى المعنى المقصود واحدًا ، وإن تنوّعت العبارات والإشارات ، ألا وهو " الحقيقة المحمّديّة " .
                                                       }  فذلكة {
- الحقيقة المحمدية : وهي من إصطلاح العارفين خصوصا ، ولقد نشأت منذ عهد السلف عليهم الرضوان ، وهي أشهر ما يشار به إلى حقيقته المحمدية صلى الله عليه وسلم  ؛ وقد يشير لها البعض ، من باب الأدب ، بالحقيقة السيّادية .
 - السر المحمدي : وذلك لمّا كان له صلى الله عليه وسلم سرّا وعلانيّة ، بل أسرارا وعلانيّات ، أشار السادة إلى حقيقته بالسّرّ ، مع أنّ استعمال هذا اللّفظ ـ السّرّ ـ نسبي عندهم ، فقد يراد به ما هو أعلن من الكنه المكنون ، من الأسرار الأخرى اللامتناهية ؛ وقد يعبرون عنه بـ "سر الأسرار " .
 - الباطن المحمدي : و كذلك كما لحضرته  صلى الله عليه وسلم ظواهر وبواطن ، فإنّهم يشيرون بباطنه صلى الله عليه وسلم إلى الحقيقة البعيدة ، وذلك نسبي أيضا ، فقد يشيرون به إلى إحدى بواطنه الروحانيّة ، أو الجسديّة  ، التي هي أظهر من كنهه الأناني .
- الكنه المحمدي : وهذا من جنس مسمى الحقيقة المحمدية ، وهو في معرض الإعجام والإبهام ، لأنّ كنه الشيء هو : حقيقته أو نهايته ، فكنه حضرته صلى الله عليه وسلم ، هي تلك الحقيقة التي غابت في غابات الآزال .
 - الهويّة المحمدية : والهوية هنا بكلا المعنيين ،إمّا الهويّة بضم الهاء المشتقة من ضمير الغائب هو ، ويعبر بها عن الحضرة الغيبية الذاتية ، وكذا لحضرة مظهرها صلى الله عليه وسلم ؛ أو الهويّة المتعارف عليها حديثا ، التي تعني أصل شيء أو إنتماءه ، وكذلك إنّ الحقيقة المحمّدية هي الحضرة الأصليّة التي ينتمي إليها صلى الله عليه وسلم .
   - حضرة الأنا : والأنية مشتقة من ضمير المتكلم أنا ، فهو يشير إلى حضرة ظهور الذات ، فكأن الذات لما انفجرت من غيهوبة كنزيتها ، تقول ها أنا ذا ، وماظهورها إلا بمجلاها المحمدي صلى الله عليه وسلم ، فمن هنا سمي بالأنا ، وهذا اللّقب هو لحقيقته صلى الله عليه وسلم حقيقة ، ولتنزلاتها ومظاهرها مجازا .
 - حضرة العماء : والعماء هذا مأخوذ من عمى العين ، وهو غير العماء المذكور في الحديث  المشهور ، وهو من باب تسمية الشيء بلازمه ، لأنّ العماء شأن من شؤون حقيقته صلى الله عليه وسلم ، وهذا يدل على العجز والحيرة والضلال .
 - الذّات المحمدية : وهي أصدق وأحق وأطبق ، ما يجب أن تسمى به الحقيقة المحمدية ، لأن ذات شيء هي : حقيقته وعينه التي بها يتميز عن سواه ، وإن ذاته صلى الله عليه وسلم حقيقة ليست هيكله الجسماني الأزهر ، الذي تنزل به علينا ، ولا روحه الأعلى الذي تنزل به على الملإ الأعلى ، ولكن هي حقيقته التي برأته المشيئة الذاتيّة عليها ، منذ حضرته الأحدية العتيقة .
 وكذلك للتناسب ، لكونه مظهرا للذات الإلهية ، بذاته العلية صلى الله عليه وسلم . ومظهرا للصفات التنزلية ، بصفاته صلى الله عليه وسلم .
- المعنى : وهذا قد يشير به بعض الجامعين بين البحرين ، كتنزل منه وتنويع في التعبير ، ولكل تعبير عبير ، وكأنهم جعلوا المعنى الباطن ، مقابلا للمبنى الظاهر ، وهو وإن كان تعبير عام ، لكنه ياتي بأكله للعامة ، وقد استعمله صاحب البردة بقوله :
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى **  للقرب والبعد فيه غير منفحم
  ولنكتفي بهذه الأسماء لشهرتها وتداولها ، بين سلاطين العرفان . ويبقى العديد من  تلك المسميات الوضعية ،  وأكثرها مشتق من شؤونها وأطوارها ؛ ومثال ذلك :
حقيقة الحقائق : وذلك لأنها أحق الحقائق الخلقية ، حيث أنها من تجلي الذات ، وسائر الحقائق الإمكانية من تجلي الصفات ..
- الحب : وذلك لما كان منشأها من تجلي الحب ، المشار إليه في حديث الكنزيّة ، اشتقوا من ذلك مسما لذلك النور الأول . كما قال الشيخ عبد الله خورد في كتابه بحر الحقائق : « الحب : هو الحقيقة المحمدية ، التي قد يعبر عنها بالعشق » .
- حضرة الغيب المطلق: لكونها خليفة مثالية عن الذات في الظهور والبطون ، والذات تقدست هي غيب الغيوب ، فمن هناك كانت حقيقته صلى الله عليه وسلم غيب حتى عن أهل الغيب ، ولإن أهل الملإ الأعلى يطلبونه كما نطلبه نحن تعالى في سموه .
تنبيه
- الأحمدية : وهناك كثير من الأكابر من يعبر عن حقيقت بالأحمدية ، وعن تنزلاته الصورية بالمحمدية ، كسيدي ابن عربي والكتاني والتجاني ..قدس الله أسرارهم .
وإلى هذا يشير سيدي ابن عربي قدس الله سره بقوله : « الوجود كله هو الحقيقة المحمدية ، وإن النـزول منها إليها وبها عليها ، وإن الحقيقة المحمدية، في كل شيء لها وجهان : وجه محمدي ، ووجه أحمدي .
فالمحمدي : علمي جبرائيلي ، والأحمدي : إيماني روحي أمي ... وإن التنـزيل للوجه المحمدي ، والتجلي للوجه الأحمدي ».