منظر معراجي


قال الإمام الجيلاني قدس الله سره :
     
لما أرجت مشام أرباب صوامع النور، بعطر إني خالق بشرا من طين، وأشرق الملكوت الأعلى بأنور إني جاعل في الارض خليفة ، قيل لرهبان صوامع القدس الأشرف {فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} صار التراب مسكا ، في مشام أصحاب يسبحون. وجليت عروس آدم في خلع إن الله اصطفى وسجدت الملائكة لسطوع نور ونفخت فيه من روحي وسمع موسى عليه السلام بلبلا يترنم بلذيذ لحن انني أنا الله وآنس ساقيا يفرغ شراب القدم ، في كؤوس وأنا اخترتك . مادت به جنبات الطور، وطويت تحته أكناف الجبل ، ووقف تحت الشجرة في الوادي المقدس ، إشتاق إلى رؤية الساقي هزت أعطافه نشوات سكره، وكتب بيده شدة توقه ، في طرس عشقه ،حروف أرني . فانقلب القلم في يده فكتب لن تراني وسطع لعين عقله نور بارقة تجلى وصار الجبل جنة ، لولا نار وخر قال بعدا إفاقته سبحانك تبت اليك قيل له عند انقضاء دولته :ياموسى سلم قلم الرسالة لصاحب ويكلم الناس في المهد وأعطه الدواة ليكتب في كتاب توحيدي إني عبد الله وينقش في صحف رسالته سطور ومبشرا برسول يأتي من بعد اسمه أحمد .
كان تاج شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الذي أسرى بعبده ليلا وعرضه ربه على عيون سكان السموات ، فأشرق جمال رسالته، حين زينه بعزة أنزل على عبده الكتاب وضوعفت الانوار في الملكوت الأعلى ليلة جلى عروس سيدناأحمد صلى الله عليه وسلم فانبهرت أحداق أشخاص النور، من شعاع بهاء بهجته، وغشيت أبصار الملائكة من لألأ نوره، قيل لها ياسكان الصفيح الاعلى، من القدس الاسنى ، اقتبسوا من ضياء المبعوث سراجا منيرا.
استترت الشمس السمائية، لظهور الشمس الارضية . واختفت الكواكب حياء من طلوع نجم يثرب وانطفت الشهب بتبلج شهاب مكة ، واندرجت الانوار في شعاع نور سيدناأحمد صلى الله عليه وسلم وخرجت رهبان صوامع القدس الاشراف ، لتنظر جمال صاحب وما ينطق عن الهوى قيل له ياسيد الوجود طورك ليلة اسرى رفف النور ، والوادي المقدس لك قاب قوسين ،البلبل الذي يرجع لك شهي اللحون فاوحى الى عبده ما أوحى مطلوب موسى قد تجلى لك به سجل مازاغ البصر وما طغى أنت آخر حرف كتب في ديوان الانبياء أنت أعظم سطر رقم في منشور تلك الرسل فضلنا زفت عروسك في محل الافق الاعلى ، فكان من بعض خلعها لقد رآى من آياته الكبرى قد صيغ لمفرق جبين الوجود من شرفك تاج ، لم يصنع قط الانبياء كلهم ماقدروا على عز ليلة أسرى بعبده ، ولا وجدوا نسمة من نسمات روض قاب قوسين ، ولاقيل لأحد منهم كفاحا السلام عليك أيها النبي وتأخر الكل عند حجاب أو أدنى تقدم صاحب دنا فتدلى وجليت عليه عرائس الاكوان ، في خلع لقدر رأى ما إلتفت إليها بعين الاشتغال ، بل تأدب بأدب ولاتمدن عينيك هذا الوادي المقدس فأين موسى عليه السلام ، هذا روح القدس فأين عيسى عليه السلام ، هذا مغتسل بارد وشراب فأين أيوب عليه السلام ، كم سافرت العقول في ميادين الغيوب ، وكم طارت ىالافكار من أوكار أوطارها إلى رياض العلى ، تطلب نسمة من نسمات هذا الشرف الاعلى ، وتطمع في نفحة من نفحات هذا الروض الأغر، وتتعلل بالخوض في لجج كل بحر، فما وجدت الى ماطلبت سبيلا .
فنادت ألسن معارفها بلسان إعترافها : ياخاتم الرسل أنت روح القدس ، أنت روح جسد الوجود ،أنت ورد بستان الكون ، أنت عين حياة الدارين،لك نظمت يتائم الوحي ، على مشام روحك هبت نسمات عطف لطف القدم ، لك عقد القدر لواء ولسوف يعيطك ربك فترضى بعطر الثناء ، عليك أرج الملكوت الاعلى ،من نور علومك أضاء مصباح الشرع ، بمصابيح كلمك تشرق سموات الحكم ، قامت الانبياء صفوفا خلفه لتأتم بجلالته ، في مشهد شهادتهم لتقدمه عليهم ، فناداهم منادي القدر ياأصحاب أوكار السعادة وأرباب الحجة على الخليقة ، هذا قمر العلى شمس السنا ، هذا درة تاج الانبياء ،فحدقو أحداق البصائر في بهائه ، واكشفوا براقع الابصار عن ضيائه ، تجدوه يتيمة شرف بهاء درر جيدالرسالة ،ودبج بها طراز حلة الوحي فتلوا بلسان الإعتراف ومامنا إلاله مقام معلوم. اهـ