العهد الأول


لسلطان العاشقين سيدي ابن الفارض قدس الله سره
1 شربنـا علـى ذكـر الحبيـب مدامـة *** سكرنا بها من قبـل أن يخلـق الكـرم
2 لها البدر كأس وهي شمـس يديرهـا *** هـلال وكـم يبـدو إذا مزجـت نجـم
3 ولـولا شذاهـا مـا اهتديـت لحانهـا *** ولولا سناهـا مـا تصورهـا الوهـم
4 ولم يبق منها الدهـر غيـرخشاشـة *** كأن خفاها فـي صـدور النهـى كتـم
5 فإن ذكرت فـي الحـي أصبـح أهلـه *** نشـاوى ولا عـار عليهـم ولا إثـم
6 ومن بين أحشـاء الدّنـان تصاعـدت *** ولم يبق منها فـي الحقيقـة إلا اسـم
7 وإن خطرت يوماً على خاطر امـرىء *** أقامت بـه الأفـراح وارتحـل الهـم
8 ولـو نظـر الندمـان ختـم إنائـهـا *** لأسكرهـم مـن دونهـا ذلـك الختـم
9 ولو نضحوا منهـا ثـرى قبـر ميـت *** لعادت إليه الـروح وانتعـش الجسـم
10 ولو طرحوا في فـيء حائـط كرمهـا *** عليـلاً وقـد أشفـى لفارقـة السقـم
11 ولو قربوا من حانهـا مقعـداً مشـى *** وتنطـق مـن ذكـرى مذاقهـا البكـم
12 ولو عبقت في الشرق أنفـاس طيبهـا *** وفي الغرب مزكـوم لعـاد لـه الشـم
13 ولو خضبت من كأسها كـف لامـس *** لما ضل في ليـل وفـي يـده النجـم
14 ولو جليـت سـراً علـى أكمّـه غـدا *** بصيرا ومن راو دقهـا تسمـع الصـم
15 ولو أن ركبـاً يممـوا تـرب أرضهـا *** وفي الركب ملسوع لما ضـره السـم
16 ولو رسم الراقي حروف اسمها علـى *** جبيـن مصـاب جـنّ أبـرأه الرسـم
17 وفوق لواء الجيش لـو رقـم اسمهـا*** لأسكر من تحـت اللـوا ذلـك الرقـم
18 تهـذب أخـلاق الندامـى فيهـتـدي*** بها لطريق العـزم مـن لا لـه عـزم
19 ويكرم من لـم يعـرف الجـود كفّـه *** ويحلم عند الغيـظ مـن لا لـه حلـم
20 يقولون لـي صفهـا فأنـت بوصفهـا*** خبير أجـل عنـدي بأوصافهـا علـم
21 صفـاء ولا مـاء ولطـف ولاهـوى *** ونـور ولا نــار وروح ولاجـسـم
22 تـقـدّم كــل الكائـنـات حديثـهـا *** قديمـاً ولا شكـل هنـاك ولارســم
23 وقامـت بهـا الأشيـاء ثـم لحكمـة *** بها احتجبت عن كـل مـا لـه فهـم
24 وهامت بها روحـي بحيـث تمازجا*** اتحـادا ولا جــرم تــخلله جــرم
25 فخـمـر ولا كــرم وآدم لــي أب *** وكـرم ولا خمـر ولــي أمـهـا أم
26 ولطف الأوانـي فـي الحقيقـة تابـع *** للطف المعانـي والمعانـي بهـا تنـم
27 وقـد وقـع التفريـق والكـل واحـد*** فأرواحنـا خمـر وأشباحـنـا كــرم
28 ولا قبلهـا قبـل ولا بـعـد بعـدهـا *** وقبليـة الأبعـاد فهـي لـنـا حـتـم
29 وعصر المدى من قبله كان عصرهـا*** وعهـداً بيّنـاً بعدهـا ولهـا اليـتـم
30 محاسن تهـدي المادحيـن لوصفهـا *** فيحسن فيهـا منهـم النثـر والنظـم
31 ويطرب من لم يدرهـا عنـد ذكرهـا *** كمشتـاق نعـم كلمـا ذكـر تنـعـم
32 وقالـوا شربـت الإثـم كـلا وإنمـا *** شربت التي في تركهـا عنـدي الإثـم
33 هنيئاً لأهل الديـر كـم سكـروابهـا*** ومـا شربـوا منهـا ولكنهـم همّـوا
34 وعندي منهـا نشـوة قبـلن شأتـي *** معـي أبـداً يتقـي وإن بلـي العظـم
35 عليك بها صرفـاً وإن شئـت مزجهـا *** فعدلك عن ظلـم الحبيـب هـوالظلـم
36 فدونكها فـي الحـان واستجلهـا بـه *** على نغم الألحـان فهـي بهـا عنـم
37 فلا عيش في الدنيا لمن عاش صاحيـاً *** ومن لم يمت سكراً بهـا فاتـه الحـزم
38 على نفسه فليبك مـن ضـاع عمـره *** وليس لـه فيهـا نصيـب ولاسهـم