التنبيه التاسع
اعلم أن القطب الذي عليه
مدار أحكام العالم وهو مركز دائرة الوجود ــ من الأزل إلى الأبد ــ واحد : باعتبار
حكم الكثرة المتعدد . الأولياء مطلقاً .
فلا يزال في هذه المرتبة واحد منهم ، قائم في هذا المقام ، ليحفظ الله تعالى به هذا الترتيب والنظام ، إلى أن يظهر خاتم الأولياء ، الذي هو خاتم الولاية المطلقة ..... ( وهو سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم } . والله أعلم .
فلا يزال في هذه المرتبة واحد منهم ، قائم في هذا المقام ، ليحفظ الله تعالى به هذا الترتيب والنظام ، إلى أن يظهر خاتم الأولياء ، الذي هو خاتم الولاية المطلقة ..... ( وهو سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم } . والله أعلم .
التنبيه العاشر
اعلم أن الحق تعالى تجلى
لذاته بذاته ، وشاهد جميع صفاته وكمالاته في ذاته .وأراد أن يشاهدها في حقيقة تكون
كالمرآة .
فأوجد الحقيقة المحمدية التي هي أصل النوع الإنساني في الحضرة العلمية { أي في علم الله تعالى } فوجدت حقائق العالم كلها بوجودها وجوداً إجمالياً. ثمَ أوجدهم فيها وجوداً تفصيلياً . فصارت أعياناً ثابتة .
فأعيان العالم في العلم والعين . وكمالاتها : إنما حصلت بواسطة الحقيقة المحمدية ــ صلى الله عليه وسلم .
فأوجد الحقيقة المحمدية التي هي أصل النوع الإنساني في الحضرة العلمية { أي في علم الله تعالى } فوجدت حقائق العالم كلها بوجودها وجوداً إجمالياً. ثمَ أوجدهم فيها وجوداً تفصيلياً . فصارت أعياناً ثابتة .
فأعيان العالم في العلم والعين . وكمالاتها : إنما حصلت بواسطة الحقيقة المحمدية ــ صلى الله عليه وسلم .
التنبيه الحادي عشر
اعلم لأن الحقيقة المحمدية
صلى الله على صاحبها وسلم : هي الحادث الأزلي والنشأ الدائم .. أما حدوثه الزماني
: فلعدم إقتضاء ذاته الوجوب .. أي أن الذات المحمدية ليست
موجودة لذاتها ولكنها موجودة بإيجاد الله تعالى لها فالواجب الوجود هو الله تعالى
وحسب } وأما حدوثه الزماني : فلكون نشأته العنصرية مسبوقة بالعدم الزماني ..
وأما أزليته فبالوجود العلمي { يعني في علم الله تعالى } فعينه الثابته في العلم : أزلية ، وكذا الوجود العيني الروحاني ، لأنه غير زماني ، والفرق بين أزلية الأعيان الثابتة ف] العلم والأرواح المجردة ، وبين أزلية الحق تعالى ، هو : أن أزليته تعالى تحت نعت سلبي : ينفي افتتاح الوجود عن عدم { يقول أن الله تبارك لا أول لوجوده ، لأن من له أولية فقد سبقه العدم } لأنه تعالى عين الوجود .
وأزليتها { الضمير راجع إلى الأعيان والأرواح } هو : دوام وجودها بدوام وجود الحق تعالى { لأن الله جعلها كذلك } مع افتتاح وجودها من العدم { أوجدها من العدم ، وبقاؤها بإبقاء الله تعالى لها } لكن وجودها من غيرها { وهو الله } وأما دوامه وأبديته فلبقائه ببقاء موجده تعالى : دنيا وأخرى .
وأما كونه كلمة فاصلة ، فلأنه هو الذي يفصل بين الأرواح وصورها في الحقيقة .. وإن كان الفصل بينهما ملكاً معيناً فإنه بحكمه : يفصل بينهما .
وكذلك هو الجامع بينهما، لنه هو الخليفة الجامع للأسماء ومظاهرها ، فلما وجد هذا الكون الجامع ، تم العالم بوجوده الخارجي ، لأنه روح العالم المدبرة له ، والمتصرفة فيه {تصريف إمداد لا تصريف خلق وإيجاد } وإنما تأخرت نشأته العنصرية في الوجود العلني ، لأنه لما كانت عينه في الخارج مركبة من العناصر المتأخر وجودها عن الأفلاك وأرواحها وعقولها : وجب أن يوجد قلبه ، لتقدم الجزء على الكل بالطبع .
وكون هذا الكامل : ختماً على خزانة الدنيا فهو ختم على خزانة الآخرة { لأنه أوتي الشفاعة العظمى للفصل بين الخلائق يوم القيامة صلى الله عليه وسلم }ختماً أبدياً : فيه دليل على أن التجليات الإلهية لأهل الآخرة بواسطته صلى الله عليه وسلم ، والمعاني المفصلة لأهلها متفرعة من مرتبته ومقام جمعه أبداً ، كما تفرعت أزلاً ، فما للكامل من كمالات في الآخرة : لا نهاية لها . والله أعلم .
وأما أزليته فبالوجود العلمي { يعني في علم الله تعالى } فعينه الثابته في العلم : أزلية ، وكذا الوجود العيني الروحاني ، لأنه غير زماني ، والفرق بين أزلية الأعيان الثابتة ف] العلم والأرواح المجردة ، وبين أزلية الحق تعالى ، هو : أن أزليته تعالى تحت نعت سلبي : ينفي افتتاح الوجود عن عدم { يقول أن الله تبارك لا أول لوجوده ، لأن من له أولية فقد سبقه العدم } لأنه تعالى عين الوجود .
وأزليتها { الضمير راجع إلى الأعيان والأرواح } هو : دوام وجودها بدوام وجود الحق تعالى { لأن الله جعلها كذلك } مع افتتاح وجودها من العدم { أوجدها من العدم ، وبقاؤها بإبقاء الله تعالى لها } لكن وجودها من غيرها { وهو الله } وأما دوامه وأبديته فلبقائه ببقاء موجده تعالى : دنيا وأخرى .
وأما كونه كلمة فاصلة ، فلأنه هو الذي يفصل بين الأرواح وصورها في الحقيقة .. وإن كان الفصل بينهما ملكاً معيناً فإنه بحكمه : يفصل بينهما .
وكذلك هو الجامع بينهما، لنه هو الخليفة الجامع للأسماء ومظاهرها ، فلما وجد هذا الكون الجامع ، تم العالم بوجوده الخارجي ، لأنه روح العالم المدبرة له ، والمتصرفة فيه {تصريف إمداد لا تصريف خلق وإيجاد } وإنما تأخرت نشأته العنصرية في الوجود العلني ، لأنه لما كانت عينه في الخارج مركبة من العناصر المتأخر وجودها عن الأفلاك وأرواحها وعقولها : وجب أن يوجد قلبه ، لتقدم الجزء على الكل بالطبع .
وكون هذا الكامل : ختماً على خزانة الدنيا فهو ختم على خزانة الآخرة { لأنه أوتي الشفاعة العظمى للفصل بين الخلائق يوم القيامة صلى الله عليه وسلم }ختماً أبدياً : فيه دليل على أن التجليات الإلهية لأهل الآخرة بواسطته صلى الله عليه وسلم ، والمعاني المفصلة لأهلها متفرعة من مرتبته ومقام جمعه أبداً ، كما تفرعت أزلاً ، فما للكامل من كمالات في الآخرة : لا نهاية لها . والله أعلم .
التنبيه الثاني عشر
اعلم أن إطلاق الصورة على
الله تعالى ــ عند أهل النظر ــ إنما هو مجاز لا حقيقة ، إذا لا تستعمل حقيقته إلا
في المحسوسات دون المعقولات .
وأما عند المتحققين ، فإنها تستعمل في وصف الله تعالى حقيقة ، لأن العالم بأسره : صورة الحضرة الإلهية تفصيلاً { لأن الله تعالى خالق لا بد له من مخلوق ورازق لابد له من مرزوق وقادر لابد له من مقدور }
والإنسان الكامل صورة الحضرة الإلهية جمعاً { أي الذي اجتمعت فيه كل الصفات الإلهية ، فما فصله الله في العالم : جمعه فيه صلى الله عليه وسلم } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم على صورته " .. { والصورة هاهنا معنوية لا صورة تخاطيط } فالنشأة الإنسانية حازت صورة الحضرة الإلهية ورتبة الأرواح الروحانية { الملائكة } . وبجسمه حاز رتبة الأجسام .
فرتبته : حازت رتبة الجمع والإحاطة ولهذا قامت حجة الله على الملائكة . لإحاطته صلى الله عليه وسلم بما لم يحيطوا بعلمه ....{ أي أنه أعلم من الملائكة لأن علمه مستمد من علمه تبارك وتعالى }...والله سبحانه وتعالى أعلم .
التنبيه الثالث عشر
وأما عند المتحققين ، فإنها تستعمل في وصف الله تعالى حقيقة ، لأن العالم بأسره : صورة الحضرة الإلهية تفصيلاً { لأن الله تعالى خالق لا بد له من مخلوق ورازق لابد له من مرزوق وقادر لابد له من مقدور }
والإنسان الكامل صورة الحضرة الإلهية جمعاً { أي الذي اجتمعت فيه كل الصفات الإلهية ، فما فصله الله في العالم : جمعه فيه صلى الله عليه وسلم } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم على صورته " .. { والصورة هاهنا معنوية لا صورة تخاطيط } فالنشأة الإنسانية حازت صورة الحضرة الإلهية ورتبة الأرواح الروحانية { الملائكة } . وبجسمه حاز رتبة الأجسام .
فرتبته : حازت رتبة الجمع والإحاطة ولهذا قامت حجة الله على الملائكة . لإحاطته صلى الله عليه وسلم بما لم يحيطوا بعلمه ....{ أي أنه أعلم من الملائكة لأن علمه مستمد من علمه تبارك وتعالى }...والله سبحانه وتعالى أعلم .
التنبيه الثالث عشر
اعلم أن كلا من الظاهر
والباطن : ينقسم على قسمين : باطن مطلق ، وباطن مضاف
وظاهر مطلق ، وظاهر مضاف .
فأما الباطن المطلق ، فهو : الذات الإلهية وصفاتها ، والأعيان الثابتة في علم الله تعالى .
والباطن المضاف هو : عالم الأرواح ، فإنه ظاهر بالنسبة إلى الباطن المطلق ،وباطن بالنسبة إلى الظاهر المطلق ، وهو عالم الأجسام .
فلذلك أنشأ الله تعالى : صورة الإنسان الكــامل :الظاهرة من حقائق العالم وصوره .
وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى. فلذلك قال " كنت سمعه وبصره . فكما أن هوية الحق تعالى سارية في آدم ـ صلى الله عليه وسلم ــ كذلك هو سار في كل موجود في العالم . لكن سريانه وظهوره في كل حقيقة من حقائق العالم ،إنما هو بمقدار استعداده .
واعلم أن لكل فرد من الأفراد الإنسانية : نصي من الخلافة ،به يدير ما يتعلق من أمر نفسه أو غيره ، وهو " سمعه " الذي ورثه من والده الأكبر ، الذي هو الخليفة صلى الله عليه وسلم .
التنبيه الرابع عشر
اعلم أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم اختص بمقام الجمع ، فجاء بقول الله تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " فمقامه جامع بين الوحدة والكثرة وبين الجمع والتفصيل ، والتنزيه والتشبيه ، بل جامع لجميع المقامات الأسمائية ، فجمع الله تعالى في قوله " ليس كمثله شيء " بين إثبات المثل ، وبين نفيه في آية واحده ، بل في نصفها . وبسبب هذا الجمع والتنزيه والتشبيه ، قال صلى الله عليه وسلم : " أوتيت جوامع الكلم " .
أي جمع الحقائق والمعارف ولهذا جمع الله تعالى له في القرآن جميع ما أنزله من المعاني في كتب الأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليهم ،فدعا أمته إلى : الظاهر في عين الباطن ، وإلى الباطن في عين الظاهر ، وإلى الوحدة في عين الكثرة ، وإلى الكثرة في عين الوحدة .
وما دعاهم وما دعاهم إلى الغيبة والوحدة وحدها: إلى المشاهدة والكثرة وحدها والله أعلم .
التنبيه الخامس عشر
اعلم أن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، وورثتهم رضي الله عنهم : خدم الأمر الإلهي مطلقا ، واء كان الأمر موافقا للإرادة أو مخالفا لها بل هم في نفس الأمر خادمون لأحوال الممكنات ، من حيث إرشادهم إلى مصالح دينهم ودنياهم ، ومنعهم مما يضر دينهم ودنياهم .
وهذا الإرشاد والخدمة منهم لهم إنما هي من مقتضيات أعيانهم وأحوالهم الثابتة العلمية دون وجودهم الخارجي . فانظر ما أعجب هذا الأمر ، من أن خادم الأمر الإلهي يكون خادما للممكنات ، مع جلالة قدره عند الله تعالى . والرسل صلى الله عليهم وسلم : خادموا الأمر التكليفي بالحال ، كإتيانهم بالعبادات والأفعال المثبتة لطريق الحق : ليقتدي بهم ، وبالقول ، كالأمر بالإيمان ، والنهي عن الكفر والعصيان ، وبيان ما يثابون عليه ، ويعاقبون عليه ، وليسوا بخادمين الإرادة ( لتعلق الإرادة بالله تعالى ) ، بل كانوا يساعدونهم فيه . والله تعالى أعلم .
التنبيه السادس عشر
إنما كانت حكمة فردية ، لإنفراده صلى الله عليه وسلم بمقام الجمعية الإلهية ، الذي ما فوقه إلا مرتبة الذات الأحدية ، لأنه صلى الله عليه وسلم :مظهر لاسم الله تعالى الأعظم الجامع للأسماء كلها .
ولأنه أول ما فاض بالفيض الأقدس من الأعيان : عينه الذاتية وأول ما وجد بالفيض الأقدس من الأكوان روحه فحصل بالذات الأحدية والمرتبة الإلهية ، وعينه الثابتة الفردية الأولى .
واعلم أن أول الأفراد الثلاثة : ما زاد عليها ، فهو صادر منها . وهذه الأفراد الثلاثة المشار إليها في الوجود ، هي : الذات الأحدية ، والمرتبة الإلهية ، والحقيقة المحمدية ،المسماة بــ " العقل الأول " .
ولما كانت تعطى الفردية الأولى بما هو مثلث الشيء قال صلى الله عليه وسلم : " حبب إلي من دنياكم " بما فيه من التثليث ، وجعلت المحبة التي هي أصل الوجود ظاهرة فيه ، ف ذكر النساء ، ثم الطيب ، ثم قال : " وجعلت قرة عيني في الصلاة " وإنما حبب النساء إليه صلى الله عليه وسلم : لكمال شهود الحق فيهن ، إذ لا يشاهد الحق تعالى مجردا عن المواد أبدا ،فإن الله تعالى غنيٌ بذاته عن العالمين ولا نسبة بينه تعالى مجردا عن المواد .
فإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا ، ولم تكن المشاهدة إلا في مادة : فشهود الحق تعالى في النساء أعظم الشهود وأكمله في حالة النكاح الموجب لفناء المحب في المحبوب . وأعظم الوصلة الجماع . وهو نظير التوجه الإلهي على خلقه على صورته ،ليخلف فيرى فيه مثال صورته .
كذلك النكاح : يتوجه لإيجاد ولده على صورته ، بنفخ بعض روحه فيه ــ يعني النطفة ــ ليشاهد عينه في مرآة ابنه من بعده ، فصار النكاح المشهود نظير النكاح الأصلي الأزلي، فظاهر صورة الإنسان : " خلقٌ موصوف بالعبودية " ، و " باطنهُ حق " ، لأنه من روح الله تعالى الذي يدبر ظاهرهُ ويربيه ، إذ هو الظاهر بصورته الروحانبية .
التنبيه السابع عشر
اعلم أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لما خلق عبدا بالأصالة :لم يرفع رأسه قط إلى السيادة مراعاة لما تقتضيه ذاته من العبودية الذاتية ، الحاصلة من التعيين والتقييد ، وحفظا للأدب مع الحضرة الإلهية .
بل لم يزل ساجدا لحضرته، متذللاً لربه تعالى ، واقفا في مقام عبوديته ، ورتبة إنفعاليته حتى أوجد الله تعالى من روحه الأرواح ومظاهرها جميعا ، لأنه صلى الله عليه قال : " أول ما خلق الله تعالى نوري الذي سماه " عقلا " بقوله " أول ما خلق الله تعالى العقل " . فأعطاه رتبة الفاعلية ، بأن جعله خليفة متصرفاً في الوجود العيني معطيا لكلمن العالم كماله .
فالروح المحمدي ، هو المظهر الرحماني الذي استوى على العرش / فتعم رحمته على العالمين ، كما قال الله تعالى : " وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين " ــ والله أعلم .
التنبيه الثامن عشر
اعلم أن دحية الكلبي كان أجمل أهل زمانه، وأحسنهم صورة ، فكان نزول جبريل على سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم في صورته ، إعلاماً من الله تعالى : أنه ما بيني وبينك يا محمد سفير إلا صورة الحسن والجمال ، وهي التي لك عندي .
فيكون ذلك له بشرى حسياً ولا سيما أن أتى( أي جبريل ) بأمر الوعيد والزجر / فتكون تلك الصورة الجميلة تسكن منه ما يحركه قهر ذلك الوعيد . والله أعلم .
التنبيه التاسع عشر
وأعجب ما عندنا من العناية الإلهية التي صحت لنا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : اذ كل واحد من الرسل ( صلى الله عليهم وسلم ) يحشر جزئ الحكم لاقترانه بطائفة مخصوصة .
والقطب منا : ليس كذلك فإنه عام ، جامع لكل من في زمانه من بر وفاجر ، وإن كان إرثه عيسويا أو موسويا فلا يقدح ذلك فيه ، فإنه من مشكاةٍ محمدية ، فله المقام الأعم ، وقد نبه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله عن طائفة من أمته ــ : " ليسوا بأنبياء يغبطهم الأنبياء " صلى الله عليهم وسلم ، للبركة المحمدية التي نالتهم من مقامه الأعم .
التنبيه العشرون
في بيان المعاني الواردة من قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : بأن الحق تعالى " وضع يده بين كتفيه ، وأنه أحس ببرد أنامله بين ثدييه ، فعلم ما في السماوات وما في الأرض " .
اعلم أن الحق تعالى منزه عن اليد الحسية وأناملها، وإنما عي يد امتنان واصطفاء ، بإفاضة أنوار النبوة والرسالة والولاية على جوهره حتى شاهد ببصيرته وبصره العوالم كلها : أولها وأخرها ،
ظاهرها وباطنها ، كلياتها وجزئياتها ، دنيا وأخرى ،ولذلك أخبرنا صلى الله عليه وسلم بالأوائل والأواخر : "بما كان ويكون في الدنيا والآخرة "لأن الحضرة الكونية كلها صارت أمام بصيرته وبصره ، حتى أنه كان صلى الله عليه وسلم " يرى من وراءه كما يرى من أمامه " وإنما خصص وضع اليدين بين الكتفين ، لأن النور الإلهي لا يأتي إلى من خصصه الله تعالى إلا من ورائه .
وأما برد الأنامل التي أحس بها بين ثدييه صلى الله عليه وسلم ،فهو عبارة عن اللذة التي حصلت له ،بما كشفه الله تعالى له من الأمور الغيبية وظهورها له ، وهذا كله إنما بمقتضى مرتبته .
وأما من حيث بشريته ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أني أمرت أن أحكم بالظاهر ، والله متولي السرائر " وأمثال من الستر عليه في بعض الأمور ، إنما هو لأمر عارض اقتضاه الحكم الإلهي ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " لست أنسى ، ولكن أنسى لأسن " .. والله أعلم .
التنبيه الحادي والعشرون
اعلم أن النبي هو الذي يأتيه الملك بالوحي من عند الله ، يتضمن ذلك الوحي : شريعة يتعبده الله تعالى بها في نفسه ، فإن بعث إلى غيره كان رسولا .
فتارة ينزل الملك بالوحي على قلبه .
وتارة يأتيه على صورة حسية من خارج ، فيلقى فما يجاء به على أذنه فيسمعه .
وتارة على بصره فيحصل له من النظر مثل ما يحصل له من السمع سواء .
وكذلك سائر القوى الحسية .
وهذا باب قد أغلق بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا سبيل أن نتعبد الله تعالى بشريعة ناسخة لهذه الشريعة . وإذا نزل عيسى صلى الله عليه وسلم ، فإنما يحكم بهذه الشريعة المحمدية ، وهو خاتم أولياء هذه الأمة ، فإن من شرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : أن الله ختم ولاية أمته بنبي رسول مكرم . وهو يحشر يوم القيامة مع الرسل : رسولا ، ومع هذه الأمة : وليا تابعا .
والياس كهذا المقام أيضا .
وأما حالة أنبياء أولياء هذه الأمة فهو كل شخص أقامه الله تعالى في تجل من تجلياته ، وأقام له مظهر محمد صلى الله عليه وسلم ، ومظهر جبريل صلى الله عليه وسلم ، وهو يلقي خطاب الأحكام المشروعة : لمظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيسمع صاحب هذا المشهد جميع ما تضمنه الخطاب من الأحكام المشروعة الظاهرة في الأمة المحمدية ، فيرى نفسه وقد وعي جميعها ،
وعلم صحتها علم اليقين ، بل عين اليقين ، فأخذ حكم هذا النبي ، وعمل به على بينة من ربه تعالى . فهؤلاء هم أنبياء أولياء هذه الأمة ، ولا ينفردون بشريعة قط ، ولا يكون الخطاب بها إلا بتعريفهم : أن هذا هو شرع سيدنامحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأما الباطن المطلق ، فهو : الذات الإلهية وصفاتها ، والأعيان الثابتة في علم الله تعالى .
والباطن المضاف هو : عالم الأرواح ، فإنه ظاهر بالنسبة إلى الباطن المطلق ،وباطن بالنسبة إلى الظاهر المطلق ، وهو عالم الأجسام .
فلذلك أنشأ الله تعالى : صورة الإنسان الكــامل :الظاهرة من حقائق العالم وصوره .
وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى. فلذلك قال " كنت سمعه وبصره . فكما أن هوية الحق تعالى سارية في آدم ـ صلى الله عليه وسلم ــ كذلك هو سار في كل موجود في العالم . لكن سريانه وظهوره في كل حقيقة من حقائق العالم ،إنما هو بمقدار استعداده .
واعلم أن لكل فرد من الأفراد الإنسانية : نصي من الخلافة ،به يدير ما يتعلق من أمر نفسه أو غيره ، وهو " سمعه " الذي ورثه من والده الأكبر ، الذي هو الخليفة صلى الله عليه وسلم .
التنبيه الرابع عشر
اعلم أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم اختص بمقام الجمع ، فجاء بقول الله تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " فمقامه جامع بين الوحدة والكثرة وبين الجمع والتفصيل ، والتنزيه والتشبيه ، بل جامع لجميع المقامات الأسمائية ، فجمع الله تعالى في قوله " ليس كمثله شيء " بين إثبات المثل ، وبين نفيه في آية واحده ، بل في نصفها . وبسبب هذا الجمع والتنزيه والتشبيه ، قال صلى الله عليه وسلم : " أوتيت جوامع الكلم " .
أي جمع الحقائق والمعارف ولهذا جمع الله تعالى له في القرآن جميع ما أنزله من المعاني في كتب الأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليهم ،فدعا أمته إلى : الظاهر في عين الباطن ، وإلى الباطن في عين الظاهر ، وإلى الوحدة في عين الكثرة ، وإلى الكثرة في عين الوحدة .
وما دعاهم وما دعاهم إلى الغيبة والوحدة وحدها: إلى المشاهدة والكثرة وحدها والله أعلم .
التنبيه الخامس عشر
اعلم أن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، وورثتهم رضي الله عنهم : خدم الأمر الإلهي مطلقا ، واء كان الأمر موافقا للإرادة أو مخالفا لها بل هم في نفس الأمر خادمون لأحوال الممكنات ، من حيث إرشادهم إلى مصالح دينهم ودنياهم ، ومنعهم مما يضر دينهم ودنياهم .
وهذا الإرشاد والخدمة منهم لهم إنما هي من مقتضيات أعيانهم وأحوالهم الثابتة العلمية دون وجودهم الخارجي . فانظر ما أعجب هذا الأمر ، من أن خادم الأمر الإلهي يكون خادما للممكنات ، مع جلالة قدره عند الله تعالى . والرسل صلى الله عليهم وسلم : خادموا الأمر التكليفي بالحال ، كإتيانهم بالعبادات والأفعال المثبتة لطريق الحق : ليقتدي بهم ، وبالقول ، كالأمر بالإيمان ، والنهي عن الكفر والعصيان ، وبيان ما يثابون عليه ، ويعاقبون عليه ، وليسوا بخادمين الإرادة ( لتعلق الإرادة بالله تعالى ) ، بل كانوا يساعدونهم فيه . والله تعالى أعلم .
التنبيه السادس عشر
إنما كانت حكمة فردية ، لإنفراده صلى الله عليه وسلم بمقام الجمعية الإلهية ، الذي ما فوقه إلا مرتبة الذات الأحدية ، لأنه صلى الله عليه وسلم :مظهر لاسم الله تعالى الأعظم الجامع للأسماء كلها .
ولأنه أول ما فاض بالفيض الأقدس من الأعيان : عينه الذاتية وأول ما وجد بالفيض الأقدس من الأكوان روحه فحصل بالذات الأحدية والمرتبة الإلهية ، وعينه الثابتة الفردية الأولى .
واعلم أن أول الأفراد الثلاثة : ما زاد عليها ، فهو صادر منها . وهذه الأفراد الثلاثة المشار إليها في الوجود ، هي : الذات الأحدية ، والمرتبة الإلهية ، والحقيقة المحمدية ،المسماة بــ " العقل الأول " .
ولما كانت تعطى الفردية الأولى بما هو مثلث الشيء قال صلى الله عليه وسلم : " حبب إلي من دنياكم " بما فيه من التثليث ، وجعلت المحبة التي هي أصل الوجود ظاهرة فيه ، ف ذكر النساء ، ثم الطيب ، ثم قال : " وجعلت قرة عيني في الصلاة " وإنما حبب النساء إليه صلى الله عليه وسلم : لكمال شهود الحق فيهن ، إذ لا يشاهد الحق تعالى مجردا عن المواد أبدا ،فإن الله تعالى غنيٌ بذاته عن العالمين ولا نسبة بينه تعالى مجردا عن المواد .
فإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا ، ولم تكن المشاهدة إلا في مادة : فشهود الحق تعالى في النساء أعظم الشهود وأكمله في حالة النكاح الموجب لفناء المحب في المحبوب . وأعظم الوصلة الجماع . وهو نظير التوجه الإلهي على خلقه على صورته ،ليخلف فيرى فيه مثال صورته .
كذلك النكاح : يتوجه لإيجاد ولده على صورته ، بنفخ بعض روحه فيه ــ يعني النطفة ــ ليشاهد عينه في مرآة ابنه من بعده ، فصار النكاح المشهود نظير النكاح الأصلي الأزلي، فظاهر صورة الإنسان : " خلقٌ موصوف بالعبودية " ، و " باطنهُ حق " ، لأنه من روح الله تعالى الذي يدبر ظاهرهُ ويربيه ، إذ هو الظاهر بصورته الروحانبية .
التنبيه السابع عشر
اعلم أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لما خلق عبدا بالأصالة :لم يرفع رأسه قط إلى السيادة مراعاة لما تقتضيه ذاته من العبودية الذاتية ، الحاصلة من التعيين والتقييد ، وحفظا للأدب مع الحضرة الإلهية .
بل لم يزل ساجدا لحضرته، متذللاً لربه تعالى ، واقفا في مقام عبوديته ، ورتبة إنفعاليته حتى أوجد الله تعالى من روحه الأرواح ومظاهرها جميعا ، لأنه صلى الله عليه قال : " أول ما خلق الله تعالى نوري الذي سماه " عقلا " بقوله " أول ما خلق الله تعالى العقل " . فأعطاه رتبة الفاعلية ، بأن جعله خليفة متصرفاً في الوجود العيني معطيا لكلمن العالم كماله .
فالروح المحمدي ، هو المظهر الرحماني الذي استوى على العرش / فتعم رحمته على العالمين ، كما قال الله تعالى : " وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين " ــ والله أعلم .
التنبيه الثامن عشر
اعلم أن دحية الكلبي كان أجمل أهل زمانه، وأحسنهم صورة ، فكان نزول جبريل على سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم في صورته ، إعلاماً من الله تعالى : أنه ما بيني وبينك يا محمد سفير إلا صورة الحسن والجمال ، وهي التي لك عندي .
فيكون ذلك له بشرى حسياً ولا سيما أن أتى( أي جبريل ) بأمر الوعيد والزجر / فتكون تلك الصورة الجميلة تسكن منه ما يحركه قهر ذلك الوعيد . والله أعلم .
التنبيه التاسع عشر
وأعجب ما عندنا من العناية الإلهية التي صحت لنا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : اذ كل واحد من الرسل ( صلى الله عليهم وسلم ) يحشر جزئ الحكم لاقترانه بطائفة مخصوصة .
والقطب منا : ليس كذلك فإنه عام ، جامع لكل من في زمانه من بر وفاجر ، وإن كان إرثه عيسويا أو موسويا فلا يقدح ذلك فيه ، فإنه من مشكاةٍ محمدية ، فله المقام الأعم ، وقد نبه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله عن طائفة من أمته ــ : " ليسوا بأنبياء يغبطهم الأنبياء " صلى الله عليهم وسلم ، للبركة المحمدية التي نالتهم من مقامه الأعم .
التنبيه العشرون
في بيان المعاني الواردة من قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : بأن الحق تعالى " وضع يده بين كتفيه ، وأنه أحس ببرد أنامله بين ثدييه ، فعلم ما في السماوات وما في الأرض " .
اعلم أن الحق تعالى منزه عن اليد الحسية وأناملها، وإنما عي يد امتنان واصطفاء ، بإفاضة أنوار النبوة والرسالة والولاية على جوهره حتى شاهد ببصيرته وبصره العوالم كلها : أولها وأخرها ،
ظاهرها وباطنها ، كلياتها وجزئياتها ، دنيا وأخرى ،ولذلك أخبرنا صلى الله عليه وسلم بالأوائل والأواخر : "بما كان ويكون في الدنيا والآخرة "لأن الحضرة الكونية كلها صارت أمام بصيرته وبصره ، حتى أنه كان صلى الله عليه وسلم " يرى من وراءه كما يرى من أمامه " وإنما خصص وضع اليدين بين الكتفين ، لأن النور الإلهي لا يأتي إلى من خصصه الله تعالى إلا من ورائه .
وأما برد الأنامل التي أحس بها بين ثدييه صلى الله عليه وسلم ،فهو عبارة عن اللذة التي حصلت له ،بما كشفه الله تعالى له من الأمور الغيبية وظهورها له ، وهذا كله إنما بمقتضى مرتبته .
وأما من حيث بشريته ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أني أمرت أن أحكم بالظاهر ، والله متولي السرائر " وأمثال من الستر عليه في بعض الأمور ، إنما هو لأمر عارض اقتضاه الحكم الإلهي ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " لست أنسى ، ولكن أنسى لأسن " .. والله أعلم .
التنبيه الحادي والعشرون
اعلم أن النبي هو الذي يأتيه الملك بالوحي من عند الله ، يتضمن ذلك الوحي : شريعة يتعبده الله تعالى بها في نفسه ، فإن بعث إلى غيره كان رسولا .
فتارة ينزل الملك بالوحي على قلبه .
وتارة يأتيه على صورة حسية من خارج ، فيلقى فما يجاء به على أذنه فيسمعه .
وتارة على بصره فيحصل له من النظر مثل ما يحصل له من السمع سواء .
وكذلك سائر القوى الحسية .
وهذا باب قد أغلق بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا سبيل أن نتعبد الله تعالى بشريعة ناسخة لهذه الشريعة . وإذا نزل عيسى صلى الله عليه وسلم ، فإنما يحكم بهذه الشريعة المحمدية ، وهو خاتم أولياء هذه الأمة ، فإن من شرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : أن الله ختم ولاية أمته بنبي رسول مكرم . وهو يحشر يوم القيامة مع الرسل : رسولا ، ومع هذه الأمة : وليا تابعا .
والياس كهذا المقام أيضا .
وأما حالة أنبياء أولياء هذه الأمة فهو كل شخص أقامه الله تعالى في تجل من تجلياته ، وأقام له مظهر محمد صلى الله عليه وسلم ، ومظهر جبريل صلى الله عليه وسلم ، وهو يلقي خطاب الأحكام المشروعة : لمظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيسمع صاحب هذا المشهد جميع ما تضمنه الخطاب من الأحكام المشروعة الظاهرة في الأمة المحمدية ، فيرى نفسه وقد وعي جميعها ،
وعلم صحتها علم اليقين ، بل عين اليقين ، فأخذ حكم هذا النبي ، وعمل به على بينة من ربه تعالى . فهؤلاء هم أنبياء أولياء هذه الأمة ، ولا ينفردون بشريعة قط ، ولا يكون الخطاب بها إلا بتعريفهم : أن هذا هو شرع سيدنامحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .