" تنبيهات على علو الحقيقة المحمديّة "

للشيخ الأكبر سيدي ابن عربي قدس الله سرّه
التنبيه الأول 
اعلم أن الحقيقة المحمدية مسماة بالعقل الأول ، وبالقلم الذي علم الله تعالى به الخلق كلهم ، وبالحق الذي قامت السماوات والأرض ، وبالباء . وأحسن أسماء هذه الأسماء : [ الحقيقة المحمدية ] : الباء .من حيث ظهور الأشياء .وإنما ظهرت الأشياء بالباء ، أن الحق تعالى : واحد ، فلا يصدر عنه إلا واحد ، فكان الباء : أول شيء صدر عن الحق تعالى .
فهي ألف على الحقيقة، وحداني من جهة مرتبتها ، لأنها ظهرت في المرتبة الثانية من الوجود ، فلهذا سميت باء ، لتمتاز عن الحق تعالى ، ويبقى اسم الألف له تعالى .
فالباء: اثنان من جهة المرتبة فهي عدد ، والأشياء عدد ، فصار العدد من العدد : يعني من الباء ، وبقي الواحد الأحد ، في أحديته مقدساً منزهاً .
ثم إن الباء زائدة في حضرة الفعل، فلهذا كانت النقطة التي تحتها بين العالم الكوني وبينها : إشارة إلى الأحدية ، فلو كان الأثر للباء ، لم تكن هذه النقطة ، إذ الأثر لها لا للباء والله أعلم.

التنبيه الثاني
اعلم أن مرتبة الإنسان الكامل ، الذي لا أكمل منه : من العالم : مرتبة النفس الناطقة من الإنسان { يشير إلى أنه بالنفس الناطقة يتميز الإنسان من الحيوان ، وكذلك هو صلى الله عليه وسلم بالنسبة للعالم بمنزلة النفس الناطقة للخلق }.
وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : الذي هو الغاية المطلوبة من العالم .
ومرتبة الكمال التنازلي { لأنه أعلى مقامات الكمال ، فكل من أوتي شيئاً من الكمال فهو أقل منه: مرتباً ترتيباً تنازلياً ، لا تصاعدياً ، لأنه لو كان ترتيباً تصاعدياً لكان هناك من هو أعلى منه ،و هذا غير موجود ، فهو الحائز صلى الله عليه وسلم ذروة الكمال الخَلقي والخُلقي ـ أي خلقه الله تعالى أكمل المخلوقين . صلى الله عليه وسلم } .عن مرتبته : بمنزلة القوى الروحانية من الإنسان { لأن الإنسان بلا روح : جسد ميت ، لا حركة له } وهم الأنبياء صلى الله عليهم وسلم .
ومرتبة من نزل عن مرتبتهم { وهم الأولياء والصالحون من عباد الله تعالى } بمنزلة القوى الحسية من الإنسان في الشكل وهو من جملة الحيوان ، فهم بمنزلة الروح الحيواني في الإنسان ، الذي يعطي النمو والإحساس. وإنما قلنا : أنه صلى الله عليه وسلم : " النفس الناطقة " : لما أعطاه الكشف ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد الناس " ، والعالم من الناس ، فلأنه الإنسان الكبير في الجرم ، المتقدم في التسوية : لتظهر عنه { هناك فرق بين عنه ومنه .. ومعنى عنه أي عن طر يقه ، فمثلاً تقول : أخذت هذا العلم عن فلان ، أي بواسطته فهو مُمَد ومُمِد آخذٌ من ناحيةٍ معطِ من ناحية ٍ أخرى} صورة نشأته صلى الله عليه وسلم ، كما سوّى الله تعالى جسم الإنسان وعدله قبل وجود روحه { أي قبل النفخ فيه } ثم نفخ فيه من روحه : روحاً كان به إنساناً تاماً .
والملائكة من العالم كالصورة الظاهرة في خيال الإنسان . وكذلك الجن . فليس العالم إنساناً إلا بوجود الإنسان ، الذي هو" نفسه الناطقة " . كما أن نشأة الإنسان : لا يكون إنساناً إلا بنفسه الناطقة ، ولا تكون هذه النفس الناطقة من الإنسان كاملة إلا بالصورة الإلهية . فلذلك " نفس العالم " التي هي عبارة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، حازت درجة الكمال بتمام الصورة الإلهية في الوجود والبقاء والتنوع في الصور ، وبقاء العالم به .
وكان حال العالم قبل ظهوره صلى الله عليه وسلم بمنزلة الجسد المسوّى بلا روح . وحاله بعد وفاته : بمنزلة النائم . وحاله ببعثه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة : بمنزلة الانتباه بعد النوم ...
ولما أراد الله بقاء هذه الأرواح على ما قبلته من التميز : خلق لها أجساداً برزخية تميزت بها عند انتقالها عن أجسادها في الدنيا : في النوم ، وبعد الموت ، والله أعلم .

التنبيه الثالث
اعلم : أن الأرض الواسعة { المذكورة في قوله تعالى : " يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون " ـ إنما هي أرض عبادتك ، فتعبد الحق " كأنك تراه " في ذاتك من حيث بصرك ، على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى .وعين بصيرتك تشهد بأنه : ظاهر لها ظهور عِلْمْ { لا ظهور رؤية } فتجمع في عبادتك بين ما يستحقه تعالى من العبادة في الخيال { أي في خيالك أيها العابد }، وبين ما يستحقه من العبادة في غير موطن الخيال {أي في موطن الحقيقة وهو الموطن الذي يعتقد أنه يشاهد الله جلَّ وعلا حقيقةً} فتعبده مطلقاً ومقيداً { أي بما افترض عليك من الفرائض (المقيد) وبما تنتفل به ( المطلق ) } وليس هذا لغير هذه النشأة الإنسانية المؤمنة ، التي جعلها الله تعالى حرمه المحرم ، وبيته المعظم .
فكل من في الوجود يعبد الله تعالى على الغيب ، إلا الإنسان الكامل ، فإنه يعبد الله تعالى على المشاهدة . ولا يكمل العبد إلا بالإيمان الكامل ، فإنه النور الذي يزيل كل ظلمة .فإذا عبده على المشاهدة : رآه جميع قواه { من قوله جل وعلا : " كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها " إلى آخر الحديث القدسي المعروف } فما قام بعبادته غيره { الضمير يرجع إلى "الله" تعالى ، لأنه هو الذي أمدك سراً وجهراً ، وهو الفاعل على الحقيقة سبحانه وتعالى } .ولا ينبغي أن يقوم بها سواه واعلم أنك إذا لم تكن بهذه المنزلة ، ومالك قدم في هذه الدرجة ، فأنا أدلك على ما يحصل لك به هذه الدرجة العليا ، وذلك أن تعلم أن الرسل صَلَىْ اللهُ عَلَيْهمْ وَسَلَمَ أعدل الناس أمزجة لقبول رسالات ربهم تعالى .
وكل شخص منهم قبل من الرسالات الإلهية على قدر ما أعطاه الله تعالى في مزاجه من التركيب .
فلذلك لم يبعث نبي منهم إلا لقوم معينين ، لأنه على مزاج خاص مقصور ، وأن سَيْدَنَا مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ بعثه الله برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ، وما قَبِلَ مثل هذه الرسالة العامة إلا لكونه على مزاج عام ، يحتوي على مزاج كل نبي ورسول ، فمزاجه : أعدل الأمزجة كلها، ونشأته أقوم النشآت أجمعها.
فإذا علمت هذا ، وأردت أن ترى الحق تعالى على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية ، فألزم الإيمان والإتباع له صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ، واجعله مثل المرآة أمامك .
وقد علمت أن الله تعالى لابد أن يتجلى لسَيْدَنَا مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في مرآته : أكمل ظهور وأعدله ، وأحسنه لما هي عليه مرآته من الكمال .
فإذا أدركت الحق تعالى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ تكون قد أدركت منه ما لم تدركه في غير مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
ألا ترى ــ في باب الإيمان ــ بما جاء به من الأمور التي نسب الحق تعالى نفسه بها على لسان الشرع ــ بما تحيله العقول ، ولولا الشرع والإيمان به لما قبلنا ذلك من حيث نظرنا العقلي .
فكما أعطانا بالرسالة والإيمان : ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق تعالى ، كذلك أعطانا ما قصرت أمزجتنا مرائي قلوبنا ـ عند المشاهدة ــ عن إدراك ما تجلى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أن تدركه في مرآتها.
وكما آمنت به في الرسالة غيباً : شهدته عند التجلي عيناً ، فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة ، فلا تطلب مشاهدة الحق تعالى إلا في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
واحذر أن تشهد النبي ــ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ أو تشهد ما تجلى في مرآته من الحق في مرادك ، فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية .فالزم الإقتداء به ، والإتباع له ـــ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ ولا تطأ مكاناً لا ترى فيه قدم نبيك صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
فضع قدمك على قدمه { يعني اتبع آثاره صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في كل صغيرة وكبيرة } إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلا ، والشهود الكامل في المكانة الزلفى ، والله الموفق
.   
التنبيه الرابع
اعلم أن الحق تعالى لما تجلى بذاته لذاته بأنوار السبحات الوجهية من كونه عالماً ومريداً ، فظهرت الأرواح المهيمنة بين الجلال والجمال ، وخلق ــ في الغيب المستور الذي لا يمكن كشفه لأحد من المخلوقين ــ العنصر الأعظم ، وكان هذا الخلق دفعة واحدة من غير ترتيب سببي ، وما منهم روح يعرف أن ثم سواه ، لفنائه في الحق بالحق .
ثم أنه تعالى أوجد بتجل آخر من غير تلك المرتبة المتقدمة : أرواحاً متحيزة في أرض بيضاء ، وهيمهم فيها بالتسبيح والتقديس ، لا يعرفون أن الله تعالى خلق سواهم .
وكلٍ منهم على مقام من العلم بالله تعالى والحال .
وهذه الأرض خارجة عن عالم الطبيعة ، وسميت أرضاً نسبة مكانية لهذه الأرواح المتحيزة، ولا يجوز عليها التبديل { لأن التبديل الذي قاله الله تعالى " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات " هي أرضنا وسماؤنا }ولا يجوز كذلك أبد الآباد ، لما سبق في علم الله تعالى .
وللإنسان الكامل في هذه الأرض : مثال ، وله فيهم حظ ، وله في الأرواح الأولى مثال الآخر ، وهو في كل عالم على مثال ذلك العالم .
ثم إن هذا العنصر الأعظم له التفاته مخصوصة إلى عالم التدوين والتسطير ، ولا وجود لذلك العالم في العين ، وهذا العنصر المشار إليه : أكمل موجود في العالم .
ولولا عهد الستر الذي أُخِذَ على أهل هذه الطريقة لبسطنا الكلام فيه ، وبينا كيفية تعلق كل ما سوى الله تعالى به ، فأوجد ما قال الوارد عند تلك الإلتفاته : " العقل الأول " ،وقيل فيه " الأول " ، لأنه أول عالم التدوين والتسطير .
وتلك الإلتفاته ،إنما كانت للحقيقة الإنسانية ، التي لها الكمال من هذا العالم ، فكان المقصود من خلق العقل وغيره إلى أسفل عالم المركز : أسباباً مقدمة لترتيب نشأته ـكما سبق في العلم ـ
ومملكته ممتدة ، قائمة القواعد والنيابة عن الله تعالى ، فلا بد من تقدم وجود العالم ــ الذي هو مملكته ــ عليه ، وأن يكون هو آخر موجود بالفعل ، وان كانت له الأولية بالقصد .
فعين الحقيقة المحمدية هي المقصودة ، وإليه توجهت العناية الكلية فهو عين الجمع الموجود ، والنسخة العظمى ، والمختصر الأشرف الأكمل في مبانيه صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ
.
 التنبيه الخامس
اعلم أن الوجود واحد { أي وجود الحق تبارك وتعالى هو الوجود الحق } وله ظهور {بمعنى المظاهر } وله بطون ، وهو الأسماء ، وله برزخ جامع ، فاصل بينهما ، ليتميز الظهور عن البطون ، والبطون عن الظهور ، وهو: الإنسان الكامل صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ،فالبطون مرآة الظهور . والظهور مرآة البطون . وما بينهما فهو مرآة لهما : جملة وتفصيلاً .
واعلم : كما أنه بين ذات الحق تعالى وذات الإنسان الكامل مضاهاة وبين علمه وعلمه مضاهاة وأن كل ما فيها مجمل فهو فيها مجمل . وكل ما فيها مفصل فهو فيها مفصل .فكذلك بين القلم وروح الإنسان الكامل مضاهاة . وبين اللوح وقلبه مضاهاة . وبين العرش وجسمه مضاهاة .
وبين الكرسي ونفسه مضاهاة . وكل منهما مرآة لما يضاهيه . فكل ما في القلم مجمل .... فهو في روحه مجمل . وكل ما في اللوح مفصل ... فهو في قلبه مفصل . وكل ما في العرش مجمل ... فهو في جسمه مجمل . وكل ما في الكرسي مفصل ... فهو في نفسه مفصل .
فالإنسان الكامل : جامع لجميع الكتب الإلهية و الكونية ، فكما أن علم الحق تعالى بذاته مستلزم لعلمه بجميع الأشياء ، وأنه يعلم جميع الأشياء{ التي هو خلاصتها لأن العلم بكل شيء لله وحده } من علمه بذاته ، فكذلك نقول : حق الإنسان الكامل :إذ علمه بذاته .....
  (الضمير في "بذاته" راجع إلى الإنسان الكامل } مستلزم لعلمه بجميع الأشياء ، وأنه يعلم جميع الأشياء من علمه بذاته ، " فمن عرف نفسه عرف ربه " ــ وعرف جميع الأشياء .
وأنظر إلى قوله تعالى : " الم ذلك الكتاب لا ريب فيه " ...فالألف يشار بها إلى الذات الأحدية من حيث أنه أول الأشياء . واللام : يشار به إلى الوجود المنبسط على الأعيان الوجودية ...
والميم : يشار به إلى الكون الجامع ، وهو الإنسان الكامل ، فالحق تعالى ، والعالم ، والإنسان الكامل : كتاب لا ريب فيه والله تعالى أعلم .....

التنبيه السادس
اعلم أن مقام المحبة أعلى المقامات والأحوال ، وهو الساري فيها ، وكل مقام أو حال قبلها فلها يراد . وكل مقام أو حال بعدها فمنها يستفاد ، لأنه : مقام أصل الوجود وسيده ، ومبدأ العالم وممده { إمداد الأصل لفرعه }وهو سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .الذي اتخذه الله حبيباً كما اتخذ غيره خليلاً { سيدنا إبراهيم .
فمن حقيقة هذا السيد : تفرعت الحقائق كلها : علواً وسفلاً ، فأعطى الله تعالى أعلا المقامات ــ وهو المحبة ــ : لأصل الموجودات ، وهو سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
وأعلم أن طلب الاتصاف بأوصاف الألوهية حجاب التحقق بهذا في الجملة { يعني أن من يطلب الاتصاف بأوصاف الألوهية جملة : لا يمكن له ذلك } كما كان سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ الذي كان من ربه تعالى في القرب " بأدنى من قاب قوسين " ثم أصبح وليس عليه أثر من ذلك ، لأنه ما ورد عليه أمر لم يكن فيه ، ولا ورد عليه شيء لم يكن في فطرته وأما غيره ــ وهو موسى صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ فإنه لمّا ورد عليه أمر غريب : ورد عليه أمر أثّر فيه فكان يبرقع على وجهه من النور الذي كان ..
لأنه يأخذ بأبصار الناظرين { يريد أن يقول : أن سَيّدِنْا مْوْسَىْ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أُضّفِيَّ عليه النور وقت المناجاة ، وكانت على الأرض ، وأما سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ فلم يظهر فيه شيء من الأنوار لمّا رجع إلى الأرض ، لأنها كانت فيه صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ جبلها الله تعالى فيه ..
ولذلك قال عمرو بن العاص رضي الله عنه : " والله ما ملأت عيني من رسول الله صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قط ولو طلب مني وصفه ما استطعت } والله أعلم .

التنبيه السابع
اعلم أن الإنسان الكامل : كتاب جامع لجميع الكتب الإلهية ، لأنه نسخة العالم الكبير .
فمن حيث روحه وعقله : كتابٌ عقليٌ يسمى أم الكتاب ، ومن حيث نفسه : يسمى كتاب المحو الإثبات ، فهي ــ الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة ــ التي لا يمسها ولا يدرك أسرارها ومعانيها إلا المطهرون من الحجب الظلمانية . وما ذكرنا من الكتب . إنما هي أصول الكتب الإلهية .
وأما فروعها: فكل ما في الوجود : تنتقش فيه أحكام الموجودات ، فهي أيضاً كتب إلهية . والله سبحانه وتعالى أعلم

التنبيه الثامن
اعلم أن رب الأرباب هو الحق تعالى ــ باعتبار الاسم الأعظم والتعين الأول .
هو منشأ جميع الأسماء . وغاية الغايات . ومتوجه الرغبات . والحاوي لجميع المطالب كلها ، وإليه الإشارة بقول الله تعالى لرسولهِ صلى الله عليه وسلم :" وأن إلى ربك المنتهى " لأنه صلى الله عليه وسلم مظهر التعين الأول .
فالربوبية المختصة به { رب + ك كاف الخطاب }هي هذه الربوبية العظمى .
واعلم أن لكل اسم من الأسماء الإلهية : صورة في العلم مسماة ب " الماهية " ، و" العين الثابتة ".
ولكل اسم منها أيضاً صورة في الخارج مسماة بالمظاهر والموجودات الغينية ، وتلك الأسماء : أرباب تلك المظاهر .
فالحقيقة المحمدية : صورة لاسم " الله " الجامع لجميع الأسماء الإلهية ، الذي منه الفيض على جميعها ، فهو تعالى ربه .فالحقيقة المحمدية التي ترب { تجمع } صورة العالم كلها بالرب الظاهر فيها ، الذي هو رب الأرباب .
فبظاهرها : ترب ظاهر العالم ، وبباطنها ترب باطن العالم ، لأنه صاحب الاسم الأعظم { أي المختص به } وله الربوبية المطلقة{الجمع المطلق}وهذه الربوبية إنما له من جهة مرتبته ، لا من جهة بشريته فإنه من هذه الجهة عبدٌ مربوب : محتاجٌ إلى ربه سبحانه وتعالى.