دليل الواسطة العظمى من الكتاب العزيز




السيّد الشّريف الحسني نفعنا الله به
·    في قوله تعالى(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). وقد أجمع أهل الله تعالى بأنّ أعظم وسيلة ، بل وأوكدها علينا أن نبتغيها إلى الحق سبحانه، هو حبيبه صلى الله عليه وسلّم وما تنزلت الرّسل عليهم السّلام إلّا ليكونوا وسائل لأممهم .
ونقول لمن قال بأنّ الوسيلة هي القربة، ومن لنا بالطّاعات لولا الحبيب صلى الله عليه وسلّم أليس نوره صلى الله عليه وسلّم هومشكاة الإيمان، الذي منه تتوزّع شبكة الإتّصالات الربّانيّة، الممتدّة على الآفاق والأنفاق .
ولهذا سمّي المنزل المحمّدي في الجنّة، بـ (مقام الوسيلة) وكأنّه يجسّد لنا العلّة الغائيّة، حيث أنّه صلى الله عليه وسلّم أعظم وسيلة لغاية الغايات، وهي رؤية وجه الله تعالى في الكثيب، وهو في غير هذا المقام وسيلة كذلك، ولكن هنا تحقّقت العلّة الغائيّة .
    ونقول لمن أجازوا التّوسل بالعمل الصّالح، ولم يجيزوه بالجاه المحمّدي الشّريف، وماذا تقولون في الشّفاعة العظمى، يوم الهول الأكبر، فلماذا لم يقل لنا الشّارع الحكيم صلى الله عليه وسلّم توسّلوا بأعمالكم يومئذ، فإنّني لا أغني عنكم من الله شيئا، ولكن هيهات هيهات، لو لم يشفع ذو الجاه العريض، لن ينفع ولا الأنبياء والرّسل قرباتهم، فضلا عن عباداتنا نحن الزّائفة.
 وهذا هو الفهم الموافق لنظائر هذه الآية في الكتاب الحكيم، مثل آية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فإن قوبلت الآيتان سيرى بأنّ أوّلهما متّحد اللّفظ والمعنى ، وآخرهما من (وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ) متّحد المعنى متختلف اللّفظ فقط .
   وهكذا هو القرآن المجيد دائما ما يقرن بين حق الله تعالى، وبين حق نبيّه صلى الله عليه وسلّم حتّى في الإيمان الذي هو أعظم من التّوسّل . 
  
·    وفي قوله تعالى (كلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) والدّلالة هنا تتمركز في كاف الإتّصال عند قوله ( ربّك) والضّمير هنا راجع إليه صلى الله عليه وسلّم ولم يقل سبحانه تماشيّا مع السّياق (عطاء ربّهم) أو ( من عطائنا) وكأنّه يقول نمدّ هؤلاء وهؤلاء بواسطتك، وكأنها تناظر قوله تعالى ( سيوتينا الله من فضله ورسوله ) .

·    وفي قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين) أي أنّه واسطة للرّحمن سبحانه، في رحمة كلّ الخلائق، من بعدما تحقّق صلى الله عليه وسلّم بإسم الله الرّحمن الرّحيم، وهذا هو أساس وساطته صلى الله عليه وسلّم لمّا تحقّق بالأسماء والصّفات، صار واسطة وسيلة بها، يقسّمها على قوابل البرايا.    

· وفي قوله تعالى (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) قال المفسرون: نزلت في بني قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل مبعثه، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة، والمعنى يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم به على المشركين ، كما روى السّدي أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين، أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضع ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم وقالوا: اللهم إنا نسألك بحق نبيك صلى الله عليه وسلّم الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدوّنا؛ فينصرون[1].

· ومنه قوله تعالى (وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تمعّن في قوله تعالى (وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لهم) وقوله سبحانه (اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) ونقول لجمهور المفسرين الذين قالوا بأنّ الوسيلة هي القربة، لعلّكم تقصدون قوله سبحانه( أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لهم )، سواء صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلّم أو صلاته هوصلى الله عليه وسلّم علينا .  


· ومنه قوله تعالى(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) وانظر كيف علّق الحقّ سبحانه، قبول التّوبة على قصدنا له صلى الله عليه وسلّم ، وهذا هو عين الوسيلة .
·    وفي قوله تعالى (وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى) وهذه الآية تحتوي على أسرار عجيبة غريبة، ذكرناها في رسالة المجلى الذّاتي، ووجه دلالتها هنا تتجلّى في توسّطه صلى الله عليه وسلّم في الرّمي، من بعدما ما تحقّق بالمظهريّـة الإلهيّة . 

· ومنه قوله سبحانه وتعالى ( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ) وانظر هنا كيف عطف الوساطة النّبويّة، على الإمداد الإلهي، بل وحّد الضّمير ولم يثنّي، وهو توكيد على واحديّة مظهريّته صلى الله عليه وسلّم وشتّان بين مظهريّة الذّات ومظهريّة الأسماء والأفعال .   



[1] تفسير الطبري 1/411، والقرطبي 2/26، والبغوي 1/93، والأولوسي 1/320، ودلائل النبوة للبيهقي 6/356 .

سبحات القدس ( للسّيّد عبد الباقي العجيمي قدس سرّه )



ذاتٌ لهـا فـى صَـفَـا الــوِدَادِ عَـطَـاءُ= وفـيـوضُ جَــذْبٍ للْـمُـحِـبِّ شِـفَــاءُ
بـعُـلا اتِّصَالِـهـا للمـعـالـى انْـطــواءُ =فى الجمعِ مِنْ فرقِ الشَتَاتِ بقـاءُ
***
إذْ كُــلُّ شـــىءٍ لِجمـالِـهـا شـــانٌ =وظــهــورٌ إلــــى الــجــلالِ بــيـــانٌ
لــمْ يـخـصْ يــا صــاحِ بالطـيـبِ آنٌ=دونَ آنٍ إذا تَـــــبَــــــدَّ ســـــنــــــاءُ
***
مـــا ثَـــمَّ أغـيــارٌ هُـنـالـكَ مـهـمــا=دوايــرُ أوهــامٍ نَـمَـتْ بـهــا حِـكَـمـا
بها القلبُ فى شُغلٍ وإنْ تكُ حُرمَا=فـــى كُـلِّـمـا تُـبْـديـنَـهُ الأسْــمــاء
***
مـــا لــلأحِــرّةِ واشــــىٌ وصُــــدودُ=ولِذِكْـرِهـا كُـــلُّ الـقُـلـوبِ سُـجُــودُ
إذْ بـالـزَوايــا جَـمـالُـهـا مَـشــهــودُ=طـوراً وفــى عـيـنِ الظُـهـورِ خَـفـاءُ
***
مِنْ تلْكَ المَشاهِدِ ذُو الصَباَبةِ حائرٌ=ولـــهُ بـهــا كُـــلُّ الـمــرَاءِ زواهــــرُ
عـنْ محـوِ آيــةِ لـيـلِ كـونـهِ سـايـرٌ=وذو الـعِــلْــمِ لـــــنْ تـلـهـيـنـهُ آلاءُ
***
لَمَّا صَحـا مِـنْ سَهْـوِ رسْمِـهِ صَـالا=وبِــرَوضِ جـنَّــاتِ الـمـعـارِفِ جـــالا
فسِواهُ عنْهـا بِطيفِـهِ اكْتفـى حَـالا= لكـنْ بوصلِهـا مـا اكْتفـى النشْـواءُ
***
كيـفَ يسْلـو قتيـلُ هـواهـا بـوصْـلٍ=لــهُ انْـطـوى بـسَـاطَ الـعَـدوِّ وخِــلِّ
واعْتَنَقَ جمالَهـا فـى صِبـاءٍ وكهْـلِ=وتَجَـمَّـعَـتْ فـيـهــا لــــهُ الأهــــواءُ
***
لمْ أزَلْ مُنْذُ أخْـذى عُهـودى قدِيمـا=لهـا تجريـدى مـدى الأيَّــامِ دويـمـا
ما حُلْـتُ عـنْ حـالِ الـوِدادِ وسَيمـا=فى فصْلى مِنْ مهْدِ الرِّضـاعِ هَنـاءُ
***
أحَدِيَّةٌ مِنْ سِمـاتِ الحلـولِ تَعَالـتْ=وعـنْ مَـرامِ مــا للْخـيـالِ تَسَـامـتْ
إنْ تَنَـكَّـرَتْ مِــن الـجــلالِ فَـكـانَـتْ=وفــى الجـمـالِ مَحـاسِـنٌ وهُـــداءُ
***
كَـمْ مِـنْ جَهُـولٍ نـاحَ مِـنْ تَنْكِيرِهـا =وأخـاءَ عِـلـمٍ لَــمْ يَـفُـهْ جَـزعـاً بـهـا
للهِ دّرُّ الــنـــايـــبـــاتِ فــــإنَّــــهــــا=حُـجـبُ الـسَّـلامِ ولـلأحْـرارِ مـرْقَـاءُ
***
وبِطـيِّـهـا لأُولـــى الـكـمـالِ نـعـيـمٌ=ولَــــذاذةٌ بــهــا الــفـــؤادُ مُــديـــمٌ
لـمْ يدْنِهـا مَــنْ بالحِـجـابِ سَقـيـمٌ=إلاَّ الأُلــــى الـصُـوفـيَّــة الـعُـلـمــاءُ
***
أَهـلْ غيـرُ صَبِّهـا للسـقـامِ شِـفـاءُ=أمْ للـمَـسـالـكِ دُونُــهـــا مــجْـــلاءُ
كَـلاَّ وليْـسَ إلـى المعالـى سَــرَاءُ=لـذى العلـمِ لـوْ عَطَبـاً بـهـا نعْـمـاءُ
***
كُـــلُّ مـرْتَـبَـةٍ لـــو تَقضـيـهـا أدَبَــــا=سَتَجِـدْ فـى عُـلا الحقايـقِ نسَـبـا
وخَصائـصٌ تجنـى باعْتِناقِهـا عَجَبـا=بِعَمـا الجمـالِ لهـا الجـلالُ سَـمـاءُ
***
هىَ قِسْمَتى ولها شَهِدْتُ كِفاحا=وبِزَمَنِـهـا الـفـرْدى حَلـلْـتُ صَبـاحـا
وقـــرأتُ فـــى تنزيـلِـهـا الألــواحــا=مــنْ ذاكَ فــى الآبــا لـهـا مـسْـراءُ
***
لا تـقُــلْ دارَهَـــا بِـشــروقِ نــجــدٍ=كُـــلُّ نـجــدٍ إنْ صَـبَــتْ دارُ مَــجْــدٍ
لوْ كُـرِّرَ الطـرفُ فـى مطالـعِ سعْـدٍ=مــــا للـتـبـايُـنِ نِـسْــبــةٌ ورَجَـــــاءُ
***
وإنْ تَــعَـــدَّدتْ أنــجُـــمُ الأبــــــدانِ=فَـذاتُـهـا إذْ تـسْـمـو عــــنْ إثــنــان
لكـنَّـهـا لـــمْ تُـغْــنِ مِــــنْ ألــــوانِ=حيثُ الأوانى بـذى المعانـى نَمـاءُ
فصلٌ فى مدحه صلَّى الله عليه وسلَّم
يــا درةٌ لَـمَّـا إلــى التعـريـفِ أحَـبَّـتْ=مِــنْ خَـفَـا كـنْـزِهـا الـعـمـاءِ تَـجـلَّـتْ
بِمُـحـمَّـدٍ سِــــرُّ اسْـتـواهــا تَــبَــدَّتْ=وتَـرشَّـحــتْ مِــــنْ نــــورِهِ الأجــــزاءُ
***
هـــو سُـلـطـانُ حــضــرَةِ الــلاَّهــوت= وإمـــامُ ممْـلـكـةِ عـالــم الـجـبــروتِ
مَــنْ بِــهِ انْـتَـظـمَ دوائـــر الـنـاسُـوتِ =وبــدتْ مِــنْ مــادَّةِ كُـنْـهِـهِ الإعـطــاءُ
***
مِـنْ غـيـبِ الـجـلالِ لأهــلِ التجـلِّـى =بــتــلاويــحٍ وبـالــصــرائــحِ يُــمْــلـــى
حتَّى خلعوا لِنعْلىْ حجابِهم المثلى =وكُــــلٌ بـحـضــرَةِ قُــدْسِــهِ خـلـعــاءُ
***
الـفـاتــحُ رتْــــقِ الــوجــودِ وســبْـــقِ =والـخـاتـمِ مـجــلا التعـيَّـنـاتِ وفـتْــقِ
وبالنَّـفـحـاتِ مـكـمـلٌ خـيــرَ خــلــقِ =مــــــنْ ذاكَ أمــــــى وثــــــمَّ أبــــــاءُ
***
إذْ نــقــطــةُ حــقــايــقِ الإجـــمــــالِ =ومــادَّةُ تفـاصـيـلِ سَـمَــا الأشـكــالِ
كُــــلُّ الــــذواتِ مُـنْـتـظــرةٌ لــنـــوالِ=قـبــلَ الـظـهــورِ وبــعــدَهُ اسْـتِـثـنـاءُ
***
مُذْ كـانَ فـى غيـبِ الطلاسِـمِ حينـا=وأتــــى لأعــيــانِ الـظـهــورِ أمـيــنــا
ورسـولاً بـدا فـى الحضرتيـنِ مكيـنـا=بــعـــدَ الــتــلــوُّنِ غـــايـــةٌ عــلــيــاءُ
***
خـاتــمُ الـرُســلِ والـنـبـا بـاجـتـمـاعٍ=خـــيـــرُ مـــرســـولٍ وأكـــمــــلِ داعٍ
لــنْ يُسامـيـهِ فــى سُـمُـوِّهِ ســـاعٍ=بُـشـرى لـقـومٍ بــذاكَ الـقـدَمِ وُرثـــاءُ
***
مـــا بـيــنَ حـــقٍّ والخلـيـقـةِ قــامــا=بــرزخــاً مِـــــنْ تـلاشـيـهــا ودَامَـــــا
وفى الحجـابِ الرابـعِ أضحـى مقامـا=ســــاذجُ الــــذاتِ لـلـوجــودِ عُـــــراءُ
***
كُـنْــهُ مـــا كـــانَ مُــفْــرداً ومُـثـنَــى=رمـــزُ الحـقـايـقِ إنْ رأيْـتَــهُ مـعـنــى
بـابُ الشهـودِ بـهِ الكـمـالاتُ تُجـنـى=مِـــنْ غـيــرِهِ مـــا للـلـئـالـى جــنــاءُ
فصلٌ فى مِعراجهِ صلَّى الله عليه وسلَّم
أيـــا خـيــرَ راقٍ لـمـراتـبِ الأكــــوانِ =ومحـاوى سِـرِّ مشـاهـدِ الإحـسـان
عنْ محوِ حِجـابِ الغيريَّـةِ الظلْمانـى=فـى طـىِّ وادى الجسـمِ آنَ ســراءُ
***
وإلـى سَمَـاءِ سَمَـا الخقـايـقِ عــوَّلا=فوقَ الجناحِ الرُّوحى ولَّى إلى العُلا
عـــنْ طــيِّــهِ مــجْــلا الـرقـايِــقِ أوَّلا=وأدارَ بــالأُفـــقِ الـمُـبـيــن شــــــذاءُ
***
وعــلا بـسَـاطَ الـنــورِ داسَ سـراجــا=حـتَّــى بـــأوْ أدنــــى لِــربِّــهِ نــاجــا
جِـسْـمـاً وروحـــاً نُـــصَّ أنَّـــهُ نـاجــا=فـــــردُ الـجــلالــةِ للهُويَّـــــةِ هـــــاءُ
***
ثُــمَّ اصْطـفـاهُ مِــن الــورى إنْـسـانـا=لـشـهـودِ ذاتِـــهِ مِـــن بـقـائـهِ دانــــا
بَــصَـــراً وقـلْــبــا قـــــدْ رآهُ عــيــانــا=وكــــــلامُ ربِّــــــهِ آيـــــــةٌ بــيــضـــاءُ
***
وسَـقَـاهُ عِلْـمـاً مِــنْ لَـدُنْــهُ شـرابــا=وحــوى المـفـاخِـرَ ظـاهِــراً وغـيـابـا
وغــوامِــضَ الـعِـرفــانِ زالَ حـجــابــا=وأتـــى بـمــا لـــمْ تـسِـعَـهُ الأنــبــاءُ
***
كعْبـةُ الحقايـقِ مــنْ تدانـيـهِ تـدلَّـى=بالوجـودِ الـحـقِّ فالإضـافـى تحـلَّـى
كـأنَّــهُ بــــدرُ تــــمٍّ بـجـمـالِـهِ هــــلاَّ=تـنـمــو بِــســرِّ ضِـيــائــهِ الـفُــضــلاءُ
***
فـهــو مِـــرآةُ ظــــرفِ كُــــلِّ زمــــانِ=ومـــكـــانٍ إلــــــى الـحـقــايــقِ دانِ
قــابَ قوسـيـنِ مــنْ بـعــضِ مـعــانِ=حـبــرُ الـطـلاسـمِ نـقـطـةٌ عُـجـمــاءُ
***
طـلْـسَـمٌ عـنــهُ الـســوارى تَـلَـقَّـتْ=بـقـدْرِ قابِلِـيَّـةِ الإمـكــانِ اسْـتَـمـدَّتْ
غيـبـاً وفـــى أبـــدِ الـوجــودِ تَـمـلَّـتْ=طـــوراً فـعـنْــهُ تُفـيـضـهـا الـرُّحـمــاءُ
***
إذْ هــــو ســــدرةُ انـتـهــاءِ الـعـطــاءِ=قــدْ ثــوى فــوقَ مـعـالـى اسْـتــواءِ
لـــــنْ يـــــرَوْا حـقـيـقَـتَـه بــالــدُنــاءِ=قــومٌ بتَـسَـلِّـى وجـودِهــمْ حُـلـمـاءُ
***
فعِـلْـمُ الـلَّـوحِ مِــنْ عـلــومِ مـعـانـى=لــمَّــا تــــلا الأســمــا ودارَ بــشــانِ
قِــدَمَــاً بـــــآدمَ سِــرّهـــا لـــــهُ دانِ=فـمِــنْ ثَـــمَّ جـبـريــلُ لــــهُ الأنــبــاءُ
***
وبــرمــزِ عـلْـمِـهـا لـلـخــواصِّ أفــــاءَ=بـــلْ بِـسِــرِّ عـشــر لـيـالِـهـا جَــــاءَ
جـــلا لِقُـرْآنِـهـا الصِّـفـاتـى عِــشــاءَ=طــوراً تنـاجـى لـهــا بـــهِ الأصـفـيـاءُ

فصلٌ فى أخلاقِهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم
ولـــمْ يـــزَلْ كـنْــزُ حَـقـائـقِ الإجــمــالِ=وسِــــرُّ تـفـاصـيـلِ صــفــاتِ الـكــمــالِ
مـــنْ تـخـلَّــقَ بــأخــلاقِ ذى الــجــلالِ=وفى اكْتِساهُ بِخِلَعِها الخمسةِ اصْطِفاءُ
***
لـمَّــا بمكـارِمِـهـا الـقُـدســىُّ تـحـلَّــى=غــيــبــاً ظـــهـــوراً بـكـمـالِـهــا عَــــــلاَّ
مــــاذا أقـــــولُ وفــيـــهِ رّبُّــنـــا أمـــــلا=فـــى مُـحْـكـمِ الـتـنـزيـلِ جــــلَّ ثــنــاءُ
***
فسُـبْـحـانَ مَـــنْ أوْرَثَـــهُ بـهــا إجْـــلالا=عِـلْـمــاً وحِـلْــمــاً وســخـــاً ووِصـــــالا
ومــكـــارِمـــاً وتــواضُـــعـــاً وكــــمــــالا=وزُهــــدُهُ غــيــرَ ربِّــــهِ آيــــةٌ عُـظـمــاءُ
***
قُـطــبُ الحـقـائـقِ بالـمـراقـى عـلـيــمٌ=وطـبـيـبٌ بـأسْـقـامِ الـنـفُـوسِ حـكـيـمٌ
ورَءُوفٌ بــالــمــؤمــنــيــنَ رحــــــيــــــمٌ=بـخـصـائـصٍ لــــنْ تـحـصِـهـا الـوُصَــفــاءُ
***
وعـلـى تَفَـنُّـنِ مــا اسْتَطـاعـوا إضـاحـا=فـى خُلـقِ مَـنْ سَمـا للمكـارِمِ ساحـا
فـغـايـةُ الـنَّـقــلِ دونَ وصْــفِــهِ طــاحَــا=تَـفْـنــى الـلـيـالـى ولــــمْ تُـحِـطْــهُ آراءُ
فصلٌ فى مراتب إرثه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم
ومـتـى صَـفَـا ذاكَ الــوِدَادُ الأحْـمــدى=مِـــن قُـدْسِــهِ بـظُـهـور ذاتِ مُـحَـمَّــدِ
فـالــفــردُ كُــــــلٌّ لــعــريــفٍ مُـــفـــردِ=لــهُ الغـيـوبُ ظُـهـورٌ والظُـهـورُ خـفــاءُ
***
عـنْ صحـوِ سُكْـرِهِ مِـنْ تجلِّـى صِفـاتِ=فكُـلُّـهُ أعْـيُــنٌ بـــلْ مـسْـمَـعٌ لِـلِـقـاتِ
وبَــدَا التجَـلِّـى الـذاتـى سِــرَّ هِـبـاتِ=فـى الجمـعِ مِــنْ صـحـوِ الفـنـاءِ بـقـاءُ
***
حُـكْــمُ الـوراثَــةِ للـمُـحـلِّـى بــشــانِ=مَـــنْ هـــوَ عـنــهُ الـجـامـعُ الـربَّـانــى
يــا فــوزَ مــنْ أضـحـى بِسِلْـكِـهِ فــان=مـرقــى الـسَّـعـادةِ إنَّــهُــم سُــعَــداءُ
***
فـبَـدَتْ مـراتـبُ إرْثِ طــهَ لِـمَــن نـمــا=قــــوْلاً وفِــعْــلاً ثُــــمَّ حــــالاً قـائــمــا
فالـشـرعُ قَـوْلُــهُ والطـريـقـةُ فاعْـلَـمـا=هـــى فـعْـلُـهُ والـحــالُ حـــقُّ خـفــاءُ
***
كُــــلٌّ بِــقــدْرِ قَــــرارِ عِـلْـمِــهِ إرْثُـــــه=مِـــنْ أيَّـمــا تـلــكَ الـمـراتــبِ قــيْــدُهُ
إلاَّ فــريـــدٌ جــامـــعٌ لـــهـــا عِــلْــمُــهُ=أخْـلـى المـوانـعَ حـيـنَ صَـــحَّ ســـراءُ
***
لـكـنـهُـمــا واحــــــدٌ وإنْ شــيــئـــانِ=مَـــا للمُـثَـنَّـى مُطْـلـقـاً مِـــن شـــانِ
بـــلْ فـاسِــدٌ ولـــنْ يَـــدَع للمـعـانـى=إلاَّ بِــمـــنْ هـــــو عــــــارفٌ سَـــقَّـــاءُ
***
ومـتـى حُـجِـبْـتَ بِمـظْـهـرِ الشـيـئـانِ=وأضَــــلَّ فـرْقـهـمـا سَــــراكَ الـــــدَّانِ
عُـــج لمـجـالـى طريـقِـنـا يــــا فــــانِ=فــــى إتِّـصـالِــهِ لـلـمـعـالـى هُـــــداءُ
***
فتـجـدْ معـانـى الـطُــرقِ ثـــمَّ نـبـاهـا=لـكـمـالِـهِ تــدعـــى وفــيـــهِ فـنــاهــا
فاسْلُكْـهُ لَـوْ يومـاً ستـحـوِى سـراهـا=فـــإذا بِـعـهْــدِهِ سَــامَــتِ الـسُّـلـكـاءُ
***
مِــنْ أنَّــهُ وهــو المُـحـمَّـدى فاعْـتـبـرْ=والأحـمـدىّ الــذاتِ جــاءَ بِــهِ الـذِكــرْ
وكمـالُ فضْلِـهِ قـدْ تَنَاهـى عـنْ حصـرْ=فـأنـا زعـيـمُـهُ فـــى الـــورى نِـيـسـاءُ
***
حـيـثُ المـراقـى بغـيـرِ عِلْـمِـهِ عـــدَمٌ=وليسَ لـذى غيـرٍ فـى معاليـهِ قِسـمٌ
لـوْ تسَامَـى فرسْمُـهُ الطيـفـى عـلـمٌ=صَـــدَفٌ صَـــدَتْ بـظـلالــهِ الـحـسـنـاءُ
***
أهَــلْ للـرجـا وقــتٌ وسِـتْــرُكَ حـــالَ=أمْ كــيـــفَ تـبــلــغُ بـالــصَّــدا آمـــــالا
كُـــلُّ المـظـاهـرِ إنْ فَـهِـمْـتَ خــيــالا=لـــــوْلا سَــنـــاهُ فـكُـلُّــهــا ظــلــمــاءُ
***
طـــوى لـحــالٍ فـــى مــجــالِ نـبـيــهِ=بـأخـيـرِ مـحــوِهِ مِــــنْ فـنـائــهِ فــيــهِ
فكـمْ مَـنْ حـيـا مــنْ ذا الفـنـا ورمـيـهِ=للهِ قــــومٌ بِـــــذاكَ الــحـــىِّ أحْــيـــاءُ
***
فـى حبِّـهِ اسْتعذَبـوا المـكـارهَ مهـمـا=لــمَّــا رَأَوْا بــهــا الـمـقـامــاتِ تَـنْــمَــا
ومـا لاقَـوا فــى زمــنِ التِقائـهـا ألـمـا=أوْ مَسَّهُـمْ فـى سبيـلِ الحُـبِّ ضّــرَّاءُ
***
وإلـــى الـجِــدِّ والإسـتـعْـدادِ أدامُــــوا=فــــى الـبــدايــةِ والـنـهـايــةِ قــامُـــوا
وعــــن الـغـيــرِ والــعـــوازِل صَــامُـــوا=فـالـنــاسُ إذْ نِــيَّــمٌ وهُــــمْ أصــحـــاءُ
***
مــا زلْــتُ أشـكُـرُ مَـــنْ بـــهِ أولانـــى=وبـزمـنِــهِ الــفــردى أضَــــاءَ زمــانـــى
ولِـقَــدَمِ خـيــرِ المُرْسـلـيـنَ حَـبـانـى=والـحــقُّ مـــا شـهِــدَتْ بـــهِ الأمـــلاءُ
***
لا تحـجَـبـنْ بـظـهـورِ هـيْـكـلـى إنَّــــهُ=لـخِـتـامِ مـــدَدِ الـكُــلِّ آنٌ عُــــجْ لــــهُ
فــإذا اكْتَفَـيْـتَ بـــهِ حُـرِمْــتَ وصـالُــهُ=وذوى المـعـارفِ مِــنْ مـعـارفـى فـــاءُ
***
وإذا بشاهِدِى قدْ طوى فى مشهدى=بشهودِ منْ هو عينُ مشهدِ شاهدى
فَسَقانى مِنْ خمرِ الجمالِ الأحمـدى=طـــــوراً تَـمَــلَّــتْ عــنِّـــى الـنُــدمــاءُ
***
هـو عُمْـدَتـى ولــمْ يَــزَلْ لــى سَـنَـداً=ووسـيـلَــةً فــــى كُــــلِّ أمْــــرٍ ابــــداً
خـيــرُ شـيــخٍ بـالـمـجـالِ لــنــا بــــدا=فى جمعِـى مِـنْ فرقـى الأخيـرِ لِقـاءُ
***
فــــوقَ الـتـدانــى بـعـالــمِ الـمِــثــالِ=بـعــدَ الـرَّحـيـلِ مِــــنْ دِيــــارِ خــيــالِ
فـــــى حـــضـــرةٍ نــبــويَّــةٍ مُــتــعــالِ=عِنـدَ المـثـارِ الـفـردى نفْـسِـى فِــداءُ
***
فـأفـادَنــى صــحــوُ الْـتـقــاهُ عـلُــومــا=شَفَهـاً فنالَـهـا مَــنْ وفـانـى حميـمـا
لــوْ كُـنْــتُ بـالـزمـنِ الأخـيــرِ مُقِـيـمـا=فَـأتَـيْــتُ بــمــا لــــمْ تــأتِــهِ الــبُــدَلاءُ
***
مُــذْ كُـنْـتُ قـبـلَ الـفـرقِ عَـنْـهُ مُـنَـبَّـا=وصُحَـيْـبـاً بـصـحـوِ الـــذَّر ذاتـــهُ غـيـبـا
ولــــمْ أزلْ بِــبَـــرزخِ الــتُـــرابِ مُــرَبَّـــا=بمـكـنـونِ عِــلْــمٍ لـلـحـجـابِ شِــفــاءُ
***
وبِحَـمْـدِ ربِّــى فأمْـلـى عـنْـهُ قـوافـى=ولـهــا تــدانــى عــــوارفِ الأشــــرافِ
مِــنْ حـيـثُ بِـنْـتُ خـزانــةَ الأســـلافِ=لِـخَـبَــرِ كــــم لــــهُ نـفْـحــةٌ وعــطــاءُ
***
فــإذاً بـدانـى بــأنَّ شـمـسَ ولايـتــى=أنْ لــيــسَ يــأفُــلُ نــورُهــا بـخـتـامَـة
سَنَمُـدُّ فـى الأنبـاءِ شُـكْـراً يــا فـتَـى=لـرحـى المـواهـبِ مّــنْ لـنــا مـجْــلاءُ
***
وإذا البشـائـرُ لــوْ سَـمَـتْ لــى قـــالَ=فمبـادى صَحْـبِـكَ قــدْ عـلاهـا كـمـالا
لــمَّــا بـنـهـجـى تَـمَـسَّـكـوا أجــــلالا=وغـــداً بـيــومِ الـخُـلْــدِ لــــى رُفــقــاء
***
ولـهُــمْ لـــواءُ الـحـمـدِ ثـــمَّ وقُـربـتـى=فـوقَ البسـاطِ الفـردى كانـوا أحِبَّتـى
مِــنْ دونِـهِــمْ لـمَّــا تـمـلُّـوا بِسُـنَّـتـى=فـــأنـــا ولِــيُّــهُــمُ هُـــنـــاكّ جــــــزاءُ
***
فــأيَّــامُ وصــلِــهِ كـلّـهــا لــنــا عــيــدٌ=ولـيـالـى جَـمْـعِـهِ جُـمْـعـةٌ وشُــهُــودُ
مـــا لـيـلـةُ الـقــدرِ إنْ تَــبَــدَّ رشــيــدُ=بـصَــفَــا شُــهُـــودِهِ كُــلُّــهــا غــــــرَّاءُ

فصـــــلٌ فــــــى الإســـــتغاثـــة
هَـيِّــىءِ الـلَّـهُـمَّ لـنــا بِـحـقِّـهِ رَشَــــدَا=واجْــعــلْ الطُمـأنـيـنـةَ بــالــذاتِ أبــــدا
وأدِمْ شُهُـودى لِتجلِّـى ذاتِــكَ سَـرْمَـدا=فــــى كُـلِّـمــا يُـبْـديــهِ مِــنــكَ قــضــاءُ
***
فى السَّحْقِ بعدَ المحْقِ كُنْ لى نديما=جَـمْـعـاً وفـرْقــاً إصْطَفـيـنـى حـمـيـمـا
وعـنْ صَحـوِ سَمْـعِ نِـداكَ فدْنـى يتيـمـا=فــــإذاً بــهــا تــــاءُ الـخِــطــابِ هَــبَـــاءُ
***
وتَـجَـلَّــى لــــى بـحـقـائـقِ الأســمــاءِ=وسِــــرِّ عـلـومِـهــا بــورَاثَـــةِ الأنـبــيــاءِ
وبِـفــرْديَّــةِ الأقــطـــابِ مِـــــنْ بُـــــدلاءِ=لـنــا بِـهــا أغـــواثُ الــرحــى خُــدمــاءُ
***
واجْـمـعْ لــى مِـــدادَ أُولـــى الـعِـرفـانِ=وحَقَائـقِـهـم فـــى الــسِــرِّ والإعــــلانِ
وتصـريـفَـهُـمْ فــــى ســائــر الأزمــــانِ=يــســمُــونــهُ الــــخِــــلاَّءُ والأبــــنـــــاءُ
***
وارشِــدْ بِـهـمْ كُـــلَّ صُـحَـيْـبٍ إنْـتَـمـى=وأدِرْ بــهـــمْ نُـــــورَ الـــولايـــةِ دائـــمـــا
حــتَّــى يـكــونــوا لــلأنـــامِ سـلالِــمــا=وأئـمَّــةً فـــى كـــلا الأحـــوالِ رُحـمــاءُ
***
صَـلَــواتُ ربِّـــى عَـلَــى الـنـبـىِّ وآلِـــهِ=ثُـــمَّ الصَـحَـابـةِ مـــا سَـــرَتْ أسْــمــاءُ
أوْ مـــا سَـمـيـهِ قـــدْ تَـمَـلَّـى بـوصْـلِـهِ=وبـهِ احتـوى مــا قــدْ حــوى السُّلـفـاءُ