أسبقية النور المحمّدي صلى الله عليه وسلم

 قال  تعالى  (   والفجر،وليال عشر، والشفع والوتر،والليل إذا يسر،هل فى ذلك قسم لذى حجر) يرى بعض المفسرين أن المقصود بالليالى العشر فى هذه السورة أول عشرة أيام من ذى الحجة وأن الفجر هو انفلاق الصبح المعروف عند الناس. ولعدم وجود أية إشارة فى هذه الآيات لأى يوم أو نهار بل هى ليل صرف بعد ليل، وفى كتاب الله تعالى نجد الليالى دائما وأبدا مقرونة بالأيام لقوله سبحانه (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) وفى الحديث والأحكام كقوله صلى الله عليه وسلم فيما معناه (فرض على خمسون صلاة فى اليوم والليلة) .

ولذلك يرى كبار المفسرين أهل البصائر أن الفجر هو حالة قبضة نور النبى صلى الله عليه وسلم والليالى العشر هى الحجب العشرة التى تنقل فيها نور النبى صلى الله عليه وسلم وهى حجب الجلال، فكان نور النبى صلى الله عليه وسلم يتنقل فى هذه الحجب العشرة من مرتبة إلى مرتبة، وهى المسماة عند ساداتنا الصوفية بمراتب الذكر، بدايةً بذكر اللسان ونهايةً بالمشاهدة الإلهية، والشفع إنما هو وجود الحقيقة الأحمدية فى الحقيقة المحمدية أى وجود الحقيقتين معا فى حالة الإثنينية، والوتر جمع الحقيقتين فى واحدية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أى ذاته إذ أن الوتر هو واحد الثلاثة، وإلى هذه الحقائق يشير الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديثه الشريف (إن الله فرد يحب الفرد، وإن الله وتر يحب الوتر ،وإن الله جميل يحب الجمال) فالفردية إشارة إلى الحقيقة الأحمدية والوترية إشارة إلى الحقيقة المحمدية والجمال إشارة إلى الذات المحمدية، إذ هو لاهوت الجمال وناسوت الوصال صلى الله عليه وسلم (والليل إذا يسر)معناه كتم معرفة النبى صلى الله عليه وسلم فلا يمكن معرفته مالم يعرفنا هو بنفسه صلى الله عليه وسلم .

وفى ذلك يقولون:



جل وجه به تجلى علينــا **ففقدنا بنوره ما لديـــنا

لو رأيناه فى الجمال اكتفينا **أو شهدناه فى الجلال رأينا
أسدا فاتكا من الأسد أسطى

وفى تأكيد عدم معرفته قالوا:

يا طالبا عرفانه من غيره **هيهات ذا صدت به فرسانه

ولما حاج اليهود والنصارى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام هو ابن الله نزلت عليه الآية الكريمة (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) فأثبتت هذه الآية أولية وجود نور النبى صلى الله عليه وسلم وأنه أول مع عبد المولى تبارك وتعالى فى هذه الحجب العشرة وهى مراتب الذكر بكل العبادات التى لا تتأتى لغيره صلى الله عليه وسلم فكان أعرف الخلق بالله وأخوفهم منه ووفى كل مراتب العبودية فسماه الله تعالى (محمداe) بمعنى خصاله كلها محمودة ولا يستحق هذا الاسم بحق وحقيق غيره عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، وحديث سيدنا جابر الأنصارى رضي الله عنه يثبت أسبقية نوره صلى الله عليه وسلم وذلك عندما سأله سيدنا جابر عن أول شئ خلقه الله فقال صلى الله عليه وسلم (نور نبيك يا جابر) وتأكيدا لذلك فقال أيضا صلوات ربى وسلامه عليه :(أنا من نور الله والمؤمنون من رشحات نورى) وقد سئل صلى الله عليه وسلم: متى نبئت؟ فقال(:(كنت نبيا وآدم منجدل فى طينته) ومرة أخرى قال ردا على سؤال سائل (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) ومرة ثالثة (كنت نبيا ولا ماء ولا طين) وقد قال ساداتنا الصالحون فى ذلك:

آدم من أجله يا لك من ***ولد قبـل أبيه كون

والدليل المصحفى على أسبقية نوره صلى الله عليه وسلم سورة الإنسان فقد قال تبارك وتعالى (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا،إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) قال بعض المفسرين أن الإنسان المقصود فى هذه السورة هو أبونا آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ويقول أهل البصائر أن سيدنا آدم عليه السلام لم يكن مخلوقا من نطفة أمشاج، لذلك فإن المقصود فى هذه الآيات هو الإنسان الكامل (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) فالنبى صلى الله عليه وسلم هو الأصل ودينه أصل الديانات وكل الأنبياء والمرسلين يسلمون على شريعته بدليل قوله تبارك وتعالى (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) فهم عليهم السلام مؤمنون بل هم أكثر إيمانا من غيرهم ولذلك فالنبى صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم لقوله تعالى (النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وهم عليهم السلام المكلفون بتعريف أممهم بالنبى صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) فاتضح من هذا وذاك أن أصل الهداية وأصل النور وكل مواثيق الدين عند النبى صلى الله عليه وسلم وهو الواسطة والممد لكل الأنبياء والمرسلين كما قال تعالى (ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر) وقال
 تعالى (إنا أرسلناك شاهدا) على أمم الأنبياء والرسل (ومبشرا) للمؤمنين  (ونذيرا)  للمكذبين (وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) وهو صلى الله عليه وسلم وسيلة لكل الأنبياء فقد توسل به أبونا آدم، وقالوا فى ذلك:
والخلق تحت سما علاه كخردل **والأمر يبرمه هناك لسانــه

وتطيعه الأملاك فى جو السما**واللوح ينفذ ما قضاه بنانه

وهو بشرى سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فهى ظاهرة فى قوله تعالى (ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد) وحسبنا فى بيان بعض شمائله ما قاله الإمام فخر الدين رضى الله عنه:

لا يعلم الثقلان عنه قدر ما **جهلوا وضلوا فى جلى ضحاه
لا يبلغ الطلاب منه بداية **أو تفقه الأملاك ما نجـــواه


صلى الله عليك وآلك وصحبك وسلم يا سيدى يا حبيب الله . 

منقول من موقع الطريقة الكسنزانية القادرية ...

( واعلموا أنّ فيكم رسول الله )

للعارف بالله سيدي جابر الجازولي قدس الله سرّه :
الوجود المحمدى ملء الزمان والمكان باقيا مادامت السموات والأرض، ملء السمع والبصر والفؤاد ولا ينكره إلا جاحد أو مهتز الإيمان والشواهد على ذلك كثيرة من القرآن ومن الحديث ومن أهل الصفاء والبصيرة الذين أنار الله قلوبهم وصفى أرواحهم، ولا يعنينا فى ذلك أن يقول قائل بغير ذلك، لأننا لا نستطيع أن نُسمع الصم ولا نُبصر العميان، ولا ينكر الشمس إلا ذو رمد، ولا يمكن أن نسأل المريض عن طعم الطعام ولا تذوق الأشياء. وسيدنا محمدe  موجود فى صلاتنا حين نقول: السلام عليك أيها النبى، فكيف نسلم على غائب أو غير موجود؟ والصلاة كما نعلم أشرف مقام تعبدى، وقد فرضت فى السموات وقد أمرنا الله جل شأنه أن نصلى عليه ونسلم له تسليما. فكيف نصلى على غير موجود؟ وكيف نسلم على غائب؟ وسيدنا محمد  eالذى قال فيه القرآن الكريم) : وما ينطق عن الهوى).
وعن أبى هريرة أنه قالe:   (من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة ولا يتمثل الشيطان بى).
وروى الطبرانىء مثله من حديث مالك بن عبد الله.. ومعنى الحديث التبشير بأن من فاز من أمته برؤيته فى المنام لابد إن شاء الله أن يراه فى اليقظة ولو قبل الموت، وكيف يرى وهو غير موجود؟ والوجود المحمدى على لسان كل مسلم فى خمس أوقات من الليل والنهار.
"
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله".. وفى ضمير كل مؤمن حين يصلى عليه ويسلم كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك..

الوجود بالجسم  الوجود بالجسم نوعان: وجود بالجسم الترابى، وهو لا يكون إلا فى مكان واحد، ولا يجوز تعدده.. ووجود بالجسم الثانى اللطيف، بمعنى أن الجسم الشريف فى مكانه من الروضة المطهرة، مع تعدد وجوده فى أى مكان بالجسم المثالى..
وفى ليلة الإسراء حين أسرى به من مكة المكرمة، قال  e (مررت على أخى موسى فوجدته قائما يصلى فى قبره)  ثم كان النبى موسى مع الأنبياء فى صلاتهم مع محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يؤمهم بالمسجد الأقصى، فهل الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وعلى نبينا محمد كانوا موجودين بكل ملء وجودهم فى أثناء هذه الصلاة؟ إن لم يكن ذلك – وهذا أخطر اجتماع يجتمع فيه النبى  eبجميع الأنبياء، ويؤمهم فى صلاتهم- اعترافا منهم له بالإمامة عليهم وتسليمهم له الرسالة، فهل يمكن والأمر كذلك أن يكون هذا الاجتماع بغير وجود؟ ولماذا والله سبحانه وتعالى قادر على أن يجمعهم بحبيبه محمد eبكامل وجودهم، وهذا ليس على الله بعسير. رب قائل يقول إنهم حضروا بأرواحهم، فهذا أمر لا معنى له.. والحقيقة كما نرى، محمد سيد الأنبياء يصلى بالأنبياء ببيت المقدس، وهو على استعداد للعروج إلى الله.. وقد كانوا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في استقباله فى السموات كما كانوا فى استقباله بيت القدس.. وكيف لا يملأ الوجود المحمدى الزمان والمكان، ومحمد أكرم على الله من جميع خلقه.. عليك الصلاة والسلام يا سيدى يا رسول الله.. سيعلم الناس فى يوم من الأيام قدرك ووجودك ومنزلتك عند ربك العلى الأعلى..
والوجود المثالى يحصل عليه كل عبد أنس بربه وأحب نبيه واستقام.. وقد وصل إليه الابدال فى حياتهم وبعد وفاتهم.. فكيف بنبينا وقد بلغ من التكريم والتعظيم مبلغا لم يبلغه عبد قط، وكيف به وهو يقال له من فم كل مسلم فى كل وقت وفى كل صلاة السلام عليك أيها النبى ووحمة الله وبركاته.. فماذا تعنى هذه الكلمة إن لم تكن تعنى وجوده بيننا بكامل وجوده.. وقد نرى إن شاء الله من هذا كله، أنه موجود بجسده الشريف وروحه الكريم، لا يخلو منه زمان ولا مكان، وقد قرأنا كثيرا لكثير من الأولياء أنهم رأوا ورأينا الحضرة الحمدية، واجتمعوا بها مرات كثيرة فى اليقظة والمنام.
وقد قال السيد المرسى أبو العباس رضى الله عنه، وهو من اتباع السيد الولى الكبير والقطب العظيم سيدى أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه: (لو حُجبتُ عن رؤية النبىe  طرفة عين ما عددت نفسى في المسلمين). وكان السيد أحمد الرفاعى رضى الله عنه يقول: (كشف الله عن بصرى فرأيت النبى e    ملء السموات والأرض والعرش والكرسى وملء سائر الأقطار) والبراهين على ذلك كثيرة.
وأن جميع الأولياء لا تتم ولايتهم إلا بإذنهe  وبتزكيته، وكانوا يجتمعون بسيد المرسلين يقظة ومناما، وكان أحد العارفين وهو "خليفة بن موسى" كثيرا ما يجتمع به، وفى ليلة واحدة اجتمع به سبعة عشر مرة وقال له النبى [يا خليفة لا تمل منا فقد مات كثير من الأولياء بحسرة عدم رؤيتنا".
والأبدال من هذه الأمة سُمُّوا كذلك لأن الواحد منهم يتعدد وجوده فى أماكن كثيرة.. وأن كثيراً من الصالحين قد اجتمعوا بالحضرة المحمدية عليها صلاة الله وسلامه يقظة، وسألوه عن أشياء فى مصالحهم فأجابهم  eعنها وأمور كثيرة حذرهم منها.
والقرآن الكريم يقول: (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). وقال تعالى :(واعلموا أن فيكم رسول الله(.

*** شروق العين ***

وهو مولد للحقيقة المحمّديّة، نسجه الإمام:

السيّد محمّد الشريف الحسني قدس الله سرّه

الحقيقة المحمّدية عند مولانا الصلاح القوصي قدّس الله سرّه

وهو عبارة عن بحث لبعض مريدي الإمام قدس الله سرّه

ذكر فيه نماذج من آلاف الحقائق والأسرار المودعة في دواوينه وكتبه

" الطّاهيّة " لمولاي محمّد الشّريف الحسني قدّس الله سرّه

1.    روحي تاها وتباهى = كلّما مدحت طه
2.    ضاق بالفطام ذرعا = حينما توارى طه
3.    ماهي الحياة لولا = أنّ فيها حبّ طه
4.    عشقه فرض عليّ = حتّى لو تعالى طه
5.    ذاك ديدني وديني = وجهتي وقف لطه
6.    علّه يرضى وأنّى  = ليتني وليت طه
7.    لا تلوموني فإنّي= مولع جدّا بطه
8.    ذكره غيث لقلبي= بل حياتي إسم طه
9.    إن شققتم عن فؤادي= سترون نقش طه
10.           أو قطعتموا عروقي= سوف يكتبون طه
11.           إنّه أصلي وكلّي= مالديّ غير طه
12.           هو وردي ووريدي= إنّما الفتوح طه
13.           دين من هذا ياقومي= إنّه إسلام طه
14.           والسّلوك نهج من = إنّه إيمان طه
15.           والوصول باب من= إنّه إحسان طه
16.           وسقاة السّر من = ليسوا إلّا آل طه
17.           بل وخلعة القبول = ليست إلّا نعل طه
18.           والنّعيم فيض من= ليس إلّا جود طه
19.           والكثيب نفح من= ليس إلّا سقي طه
20.           والكتاب رقم من= ذلكم قرآن طه
21.           والعروش فرش من= إنّه أعتاب طه
22.           والعماء غيب من = ذلكم حجاب طه
23.           بل رداء الكبرياء= ليس ذاك غير طه
24.           والملائك الكرام= إنّهم خدام طه
25.           والنّبيون العظام = هم جنود حول طه
26.           والزّمان والمكان= كلّهم بأمر طه
27.           والوجود هذا ممّن= إنّه من نور طه
28.           لم أغالي فيه كلّا = كلّ شيء هو طه
29.           كيف لا يكون ذاكم = ومراد الله طه
30.           فارتقوا عن المظاهر = وستشهدون طه
31.           تبصرون النّور ساري= جسدا والرّوح طه
32.           إنّ كلّ ما ترون = هو كالظّل لطه

33.           كلّ ذرّة تنادي = طه طه طه طه

*** أنوار النّبي صلى الله عليه وسلّم ***

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏
قال الشيخ ابن سبعين قدس اللّه سره:
الحمد للّه الذي بنوره يعلم و يعبد، و بحضوره يعرف و يشهد، الذي خلق النيّرات و النجوم المسخرات، و أودع الأرواح سر عهده الأول الأوصل، و ذكرها صورة المفارق للمواد، و جعل القلوب مظاهر ملكه الأكمل، و زينها بالعلوم و العقل المستفاد، و جعل طريقة خليله إبراهيم u بما ظهر من الأنوار لعالم الإنسان، وطريقة حبيبه محمد e بما بطن من الأسرار، و خصّه بمقام الإحسان، فكان ذلك مريدا و كان هذا مرادا.

فاعلم أنت وأهل الدّرجات، أنّ نور السّموات والأرض رسول اللّه e مظهره ومشكاة مصباحه ووحيه زيتونة زيتها، ثمّ هوe نفسه نور اللّه، وكذا وحيه ومعجزاته وآياته، ومجموعة ما قال في ذلك و بعد نور النّبوة و اتصافه بها.
و قوله e : )اللّهم اجعل لي نورا في قلبي ونورا في جسمي ونورا في شعري ...، وتتبع جوارحه كلها كذلك؛ ثم قال e : (واجعلني نورا ) .
ثمّ كان e يذكر اللّه في كل زمان فرد، والقرآن من أسمائه النّور، وكان يتلوه وعليه أنزل بالملك تارة، وتارة من حيث روعه الداخل، ثمّ طلب الرّفيق الأعلى عند موته، ومحل الأنوار وروحه هناك يتنعم، فهذه أنوار معها أنوار، وأنوار بعد أنوار وقبل أنوار، ثمّ أنوار لا نهاية لها، ثم نور اللّه الذي لا يحد ولا يكيّف، لا يفوته في روحه وعقله وحسّه وخياله وجميع مواده البّاطنة والظّاهرة، ثمّ أنوار آيات تلحق بذاته ينبغي أن يقال لا نهاية لأنواره.
ثمّ إذا نظر إلى مضافها وإلى مشارها، بالجملة وإلى جملة ما هو عليه لا ينبغي للعاقل إلاّ أن يقول: ( ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) .
وبعد هذا كله لو سمعت من المحققين من أمته: ما هي الأنوار؟ وإلى كم تنقسم؟ وما المراد بها؟ وما عالمها وكونها؟ .
هي عندهم عوالم الاتصال الثّلاث، و الكمال الثّاني، و بعد هذا كلامهم فيها.
و في التّجـليات هو المطلب الأقصى للمباحث، والمتألّه بالأمر الخاص العزيز، ولهم ماهو أعلى، فكيف لسيّدهم الذي هو السبب لذلك كله، وهو الصّورة المفيدة لذلك،
و مما يصلون إليه حتى أنهم يضحكون من الأنوار العقلية التي يشعر بها اصطلاح الحكماء! و كذلك يعللون مراتب المثل المعلقة بعد الطّبيعة بالجملة، وأنوار التولد والاستدلال، وغير ذلك بالكليّة، والأنوار الحادثة في النفوس الجزئية،
و كذلك يسخرون بالأنوار المضافة بعد علم الثالوجي، علم الوحدة، و علم أحكام التوحد هناك.
و لهم في الأنوار جملة مقاصد ما هي قبيل من يذكر عندهم، فإن أضعف أنوارهم عواشق الأفضل ممن تقدم.

فاعلم أني قلت ذلك لكي تتنبه.
و أما أنوار المقامات و الأسماء عندهم ثم الأنوار الباطنة و الخلافة الآلية «2»، و نور الإحاطة، و نور التقدير المثالي، و نور التعرض الذي يصحب لصاحبه السكينة، ثم نور اللّه الذي إذا فرض دائرة وضعية كان الحق المحض ذات المقدر الواقف.
فاعلم يا هذا من يكون الضعيف من أمة محمد e، يجد أن هذا عين المحبوب الأعز عنده، ثم يطلب له بيان حال مجده، إن كان يريد أن يبين ذلك ببرهان فهو صاحبه بالجملة، و إن كان يريد أن يبين البين فهو يتحرك في سلسلة جنونه، و ينوع السخف، و يقسم أشخاص فنونه، و إن كان على جهة أن يقال هذا يقول: و هذا ينطق بكذا، و يروم أن يحمد، فقد قصم ظهر قوله: (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، فمن أمر من أجله رجال اللّه ألا يرفعوا أصواتهم، فكيف يسمح به أن يتهم أن يدبر بغير مجده الإلهي؟!.
أعوذ باللّه من الحرمان، التوبة يا غير خبير! التوبة يا غبي الذات! التوبة يا غافل! التوبة يا غالط! التوبة يا جاهل! التوبة يا ضعيف المجموع! و سلام على من اتبع الهدى.
أنواع أنوار رسول اللّه e .‏
اعلم أن أنوارهe  تختلف باختلاف متعلقاتها ومضافاتها، ومن حيث الأقل والأكثر، والأشد والأضعف، هذا بالنظر إلى نوع النّوع لا أنها تنقص أو تضعف من حيث أنها أنوار إلا بأمر يلحقها في نفس الأمر؛ فمن ذلك:
( 1 نور العزة
- فهو نور الشّهادة التي تقال مع شهادة اللّهY، هذا كشف عن عزته عند اللّهY.
ومنها أيضا في جملة أحكام أمته e فيها يتبع كالتشهد في الصّلاة والآذان.
2) نور الغاية الإنسانية.
   فهو شأنه الذي كان ليلة الإسراء، فإن الأنبياء خير البشر جاز عليهم في السّموات ثمّ تركهم و قطع عوالم الملأ؛ فهذه نورانية كشف بها أنّه وصل الغاية و بلغها ثمّ وصل إلى محل الكروبيين، ثمّ إلى أكثر ثم إلى آخر العمارة الروحانيّة و الجسمانيّة.
 (3  نور الإدراك .
فإنّه أدراك اللّه وأبصره على أي نوع كان وعلى أي مذهب إن كانت العلمية أو الآخرى
ثمّ كان يبصر من خلفه e كما كان يبصر من أمامه، وأيضا إدراك الجنة قبل موته، وأيضا كوشف عن الذي في قبره يعذب، وأيضا كشف له عن الجنة في عرض الحائط، وأيضا أبصر الملك على صورته التي خلق فيها ثم على أنحاء بعد ذلك هذا نور كشف له عن أعز المدركات كلها.
4) نور النّبوة.
  فهو ما له ظهر من الآيات وما تحدّى به من المعجزات، ثمّ ما أدرك من النّوع الأكمل، هذا كشف له به عن مقام النبوءة و أظهر اللّه به قدره و مكانه.
5) نور النشأة.
فهو الذي كشف له مكانته وعناية اللّه به وحفظه، وما فعلت الملائكة به، وتطهيره وشق بطنه، واتصافه بما يجب وكونه كان يتيما محفوظا، حتّى إن أمه الأولى حدثت عنه e أنه كان يسبح في بطنها وعند ولادته تعنى، وأمّ تربيته كذلك كانت تقول إذا أكلت الطعام المختلف فيه لا يشرف لبنها، و جملة الأمر كان مجموع قرائن أحوال رسول اللّه e .
6) نور السابقة.
فكونه في الأول أريدَ بذلك، فإنّه قد أخبرe أنه سيد ولد آدم، وكان وكلّ ذلك عن اللّهY، و خبر اللّهY لا يتغير، و كذلك علمه لا يتبدل‏.
  وأيضا كونه قال: «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطّين» فكشف له هذا الطين أنه كان مشتهر ما بين الأنبياء في الأزل؛ قبل الكون و أظهر أنه نبيّ، وهو ممكن الوجود وقبل كونه وهذه أيضا سابقة ثانيّة.
وكذلك اسمه في اللّوح إذا أرادت الملائكة ترحم عباد اللّه، و تدعو اللّهY فيهم لكي يدفع أو يرفع عنهم العذاب النازل- قصدوه و توسلوا له به.
7) نور التّشريف.
فهو النّور الذي كشف له عن الخصوصية الملكوتية، ورسم اسمه مع اسمه في اللوح وكتب بالنّور.
8) نور التّدلل.
كشف له عن مقام القرب و هو قوله تعالى: ( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ) لأمر.
9) نور التّركيب:
فهو الذي انكشف له به عن الغاية العظمى في التّوحيد، فإنّه كان إذا فكر في الموجودات ثم في النّظام القديم، ثمّ في سرّ القدر، ثمّ في الأمور العالية، كان يغان على قلبه؛ إذا ركب هذه المعلومات العزيزة.

( 10 نور المولد:
فإنّه كشف له عن سعادة مولده بالبرهان الفلكي الإلهي السّماوي، فإنّه كان له نصبة عجيبة لم يبصر قط في أيام العالم مثلها، ثمّ ظهر يوم مولده في الآفاق مائة معجزة منها: خمود نار فارس، وانشقاق إيوان كسرى، وزلزلة أبداد الهنود.
11) نور الخلقة :
فكان e يظهر بين عينيه النّور الذي لا يخفى على أحد، حتّى إنّ من العرب من كان يغنيه في إيمانه عن طلب المعجزة و الآية منه.
ومع ذلك أيضا النّور في تبسمه وفي جبينه، كما حدثت السيّدة عائشة رضي اللّه عنها، وفي موضوعه كلّه، وكلامه وأفعاله وحركاته كل أكوانه وما ظهر من خلقه، وما بطن من مجموعة أنوار هذا في أصل وضعه.
وكيف وهو أيضا قد قالe : (اللّهم اجعلني نورا) بعد ما عدد أجزاء بدنه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهذا كشف له أنّه النّور، بل نور النّور الرّوحاني و الجسماني.
12) نور التربية:
فيما كشف له عن العناية الحافظة له والعصمة الإلهية التي لا يشترط فيها العقل وأسباب التّكليف، والعلامات مثل السّحابة التي كانت تظله، وما ظهر في بنيان البيت، وهذه كلها أنوار كاشفة لأمور خارقة للعادة.
13) نور الانتقال:
فهو النّور الذي كان يبصر في عين أبيه و أمه، و ما سمع في ذلك بعد ما حملت به أمه، و كونه e ورث ذلك منهم بعد ولادته، و انتقاله من الظهر الظاهر؛ إلى الظهر الطاهر .
وحكى أبو الفضل عياض رحمه الله، أنّه كان كل من تقدم من آبائه e إذا أوقع في الرحم ما أودع اللّه تعالي في ظهره من نطفة المصطفى e يجد الفراغ و الكسل و تختل عليه أحواله كلها حتى جاهه في الناس، هذا بالنظر إلى مكانه الأول وهذا النّور كشف له عن نورانية نطفته e.
14) نور النّهاية:
فهو نور اللّه تعالى الذي ختم به النّبوة و انتهى الأمر عنده، و صور التّكميل بالجملة، و هذا أظهر له e أنه خير الرسل، فإنّه نسخ ما ظهر أنه صاحب نهاية الأمور الذي يرجع إليه، والكامل الذي لا يمكن أن يزاد فيه و لا ينقص منه.
15) نور التّضمن:
فهو الذي كشف له به أن الذي كان عليه أسهل وأكمل من الذي سلكه أبوه إبراهيم عليه السّلام، فإنّ هذا كان في أمره كالمختار المحبوب و أبوه كالطالب المجتهد، و قصة انتقال سيّدنا إبراهيم عليه السّلام تعلمك بالحال.
16) نور التّسخير:
فهو كشف له e أنّه الغاية في السموات والأرض، وأن القمر انشق له، والكواكب سخرت لحفظ نظام ملّته، وتلك أيضا معجزة ظهرت في مدة ملّته eوهي باقية وغفل عنها كثير من النّاس، وهي الشّهب التي ترسل على الشّياطين، و ما ذلك إلاّ بركة كتابه ولأجل موضوعه، وكذلك الملائكة من تسخيره وخدمته، فإنّها تكتب فضائل أمته e وقاتلت معه e ، وإلى الآن أولياء أمته في منادمتهم و مخاطبتهم مشافهة، وكذلك الصّور الرّوحانيّة كلّها، وهذا نور كشف له أنّه المدلّل في السّموات والأرض، و في كل العوالم.
17) نور العادة :
فإنّه أظهر في أيام الدّنيا وأيام العالم، وأيام الدّين من العدل وصلاح الأحوال، وسياسة المنزل والتّدبير المحمود، فأظهر له أنه الحكيم الأعظمe .
18) نور الإتباع:
فما ظهر لهم من النّصر بالسّنان، فإنّهم استفتحوا بلاد الكفر من بعده e، و ما فتح اللّه به وما ظهر على رجال أمته من الكرامات؛ على العلماء من العلوم على أنحائها.
وبالجملة ظهر أن الأمر فيه مع الأنبياء والرّسل هو الأمر فيهم مع علماء والملل و الدّول، و قولهY: [وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ].
19) نور اللّواحق.
فما بعده من الآيات التي أخبر به، وما أيضا في العالم من العجايب فهي له حتى فضائل أمّته فإنها هي فضائله.
فإن قلت: لا تحصر كراماتهم و علومهم، فقد قلت: لا نهاية لمعجزاته e، فإنّه الأصل في ذلك، والذي يفيد الكرامة بتبعيته هو الكامل، حتى أن هذا النوع باتباعه يترجح على المعجزة الحاضرة معه، فإنّ تلك بإزاء تكذيبه و لضرورة المعاند، و هذه من عند اللّه على جهة الإكرام، ثمّ هي أيضا مركبة بزيادة أمر محمود و هذا أظهر له e أصل كل فضل و سعادة و عناية.
20) نور الجاه:
فهو كشف له أنّه واحد اللّهY في التّخصيص، والشّفاعة تدل على ذلك و أشباهها.
21) نور الخطابة:
فكونه الذي أوتي جوامع الكلم e .
22) نور المقايسة:
فهو كشف له أنه إذا جمع في الذهن جميع الأنبياء و الرسل في تقديره لفضلهم، ودليله أنه أعلم الخلق باللّه تعالى، والدرجة التي هناك لا تقاس بما بعدها، وإن تعددت فإن المجموع لا يقوم منه ما يساوى، فإن الذوات لا تتحد، فاعلم.
و أيضا إذا قلنا: إنه أفضل من الخليل u فالمرتبة أوالدّرجة التي يفضله بها أي شي‏ء يقاس بها لابدّ لها من تنظير تنظر معها، ثمّ سلمنا أنه أرفع الأنبياء منزلة في الجنّة، و الكلّ دونه فلا ينفع ما عظم واجتمع، فإنّه مع ما هم فيه ينظر إليهم من تحت.
فاعلم ذلك ولا تقس الأمر فيه بالمحسوس، فتقول: هو صاحب ألف درهم في التّمثيل، وهم من مجموع الكلّ منهم، و إن كان لكلّ واحد منهم مائة جملة .
قيل: ما الأمر الذي نحن فيه هذا يشابهه، فإنك هناك تقيس الأمر بقدره و هي درجة عند اللّه، فاعلم.
23) نور التّفضيل:
فهو يكشف له e على قدره بالنّظر إلى الرسل عليهم السلام، ومقر له بأنّه سيّد ولد آدم عليه السّلام، وقول اللّه تعالى: ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)، فنحن في الأمم مثله هو في الأنبياء والرّسل عليهم السلام.


24) نور الإحاطة:
   فهو يكشف له أنه عين المعنى المجموع الذي إليه تصل العناية العلمية والعملية، ومع كلّ محمود محترم يشار إليه فهو الذي أحاط بهاe، و جميع ما تفرّق في الأنبياء اجتمع به و له ولأمته و في ملتهe .
25) نور الحصر:
   فهو النّور الذي يكشف له عن الخواص عن المراتب وعن المنامات حتى عن أقصر ما يمكن، فإذا قدرنا أنّه نالها لا يجد أحد بعده ما يطلب مثل ما تقول يتيمة الدّهر عند الملك، لا يملكها أحد معه، كذلك القول فيهe، فله الوسيلة والدرجة الرّفيعة، فهذا هو الحصر فإنّه الذي ملك الأوفى من الكلّ.
26) نور العلامة والدّلالة:
   فهو الذي كشف لهe  صورة منتظرة ومعتبرة، فإنّ الكتب نطقت به، وكذلك الصّنائع العلمية كلّها حتّى الكهانة.
ومن علاماته أيضا eما ظهر عليه حتّى خاتم النّبوّة الذي بين كتفيه e، وما كان قط لأحد؛ ثم علامات صدقه المتأخرة، وهذا يكشف له أنه كذلك وحده.
و مما ينبغي أن يقال لأهل الكتاب: هذا نبينا e، قد أخبرنا عن أمور قد ظهرت بعده، حتى إن من بعض أتباعه لو تحدّى بها، وجد الصواب في قطع الخصم و أنتم ما الذي أخبركم به هذه أنواره.

27) نور الخصوصية في أول حاله:
فهو الذي يكشف له أنه لا مقام أمامه ولأمر ما بعده، والسّعادة الإلهية فإنّه نال ما منعه الغير في السّعادة.
28) نور الخير المحض.
   فهو الذي يكشف له عن كمال ما ظهر منه وما بطن له، فإنّه في نومه معصوم الخيال، وفي قيامه ويقظته لا ينطق عن الهوى، وفي عقله فلم تغلب قط شهوته عقله:
فإن علم الكتاب والفضائل على ما ينبغي، و علم إذا أفرط في ذلك حتى قال اللّه تعالى:
(وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى‏ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ )، قيل: من السّنّة.
29) نور اللواء:
وهو النور الذي يكشف له أنه ينشر مجده في القيامةe .
30) نور الانفراد:
فهو الذي يكشف أنه e خير متبوع،- قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) فمتبوعها خير متبوع.
31. نور العبودية:
     فهو يكشف له عن الإضافة الخاصة التي هي نفس المنعم فقط، قال اللّه تعالى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) .
32) نور التزكية:
فهو يكشف له كونه صلّى اللّه عليه و سلّم حجة اللّه على العالمين.
33. نور المكانة الكبرى.
   فهو الذي يكشف له عن جلاله e في التّكميل وفي التّحديد وفي التّتميم، وعوالم غير هذه ومعنى غير هذا كلّه.
وأيضا كون بعض أمته يتجلّى للّه خاصة وللناس عامة، وهذه مرتبة أعلى مما ذكر، وبهذا يكشف له eعن أمر ما عند العقول منه ما تفرض مقدمة، و لا تضع قضية، و لا تنقل مخاطبة صناعية و هنا يجب الإمساك عليه فاعلم ذلك كله، و كيف كشف له حتى إن أمورا قلّ وجودها في الملائكة، فكيف في غيرهم! و هذا كشف لنا أنه في عوالم غير هذه، و بقى في ذلك،  قال تعالى: (وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ).
فاعلم و لا تقل يا من هو من أهله إلا أنه هو النور المحض، و له ما لا عين رأت و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر.

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون
وســـلام عـــــــــــــــــــــــــــــلى المــــرسلين

والحمد لله ربّ العالمين