قال الشيخ أحمد التجاني الحسني قدس الله سره :
وإيّاك أن تفهم من هذا أنّ حقيقته المحمّديّة كانت عريّة عن هذا قبل النبوّة ، فلا يصحّ هذا الظنّ بل حقيقته المحمّديّة لم تزل مشحونة من جميع هذه المعارف والعلوم والأسرار من أوّل الكون من حيث أنّه أوّل موجود أوجده الله تعالى قبل وجود كلّ شيء وفَطَرَهُ على هذه العلوم والمعارف والأسرار ، ولم يزل مشحونا بها إلى أن كان زمن وجود جسده الكريم صلّى الله عليه وسلّم فضُرِب الحجاب بينها وبين عِلْمِه بها صلّى الله عليه وسلّم إلى أن كان زمن النبوّة فرُفِعَ الحجاب وأطلعه على ما أودعه في حقيقته المحمّديّة ممّا ذُكر أوّلا وما خاطبه به في قوله : مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ، أخبر عن حالة احتجاب ما كان في حقيقته أوّلا عن علمه صلّى الله عليه وسلّم بها فقط لا أنّها لم يكن العلم بها في حقيقته ، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم قبل النبوّة من حين خروجه من بطن أمّه لم يزل من أكابر العارفين ولم يطرأ عليه حجاب البشريّة الحائل بينه وبين مطالعة الحضرة الإلهيّة القدسيّة ، وكان من أفراد العالم ، الفرد نسبته إلى عموم العارفين والصدّيقين كنسبة العارف بالله إلى العامّة لا يعرفون شيئا ، وكان في تلك المرتبة صلّى الله عليه وسلّم متحقّقا بمرتبة أنْ يأخذ العلم عن الله بلا واسطة ولا يجهل شيئا من أحوال الحضرة الإلهيّة ، ولم يطرأ على شمسه في هذا المحلّ أُفُوالٌ صلّى الله عليه وسلّم ، والعلم بالله تعالى الذي هو عند الأفراد العارفين ثابت له في هذه المرتبة وإنّما حجب الله عنه في هذا الميدان ماهيّة الرسالة ومطالبها وما يؤول إليه وما يراد منها ، وكذا حجب الله عنه العلم بكيفيّة نزول الكتب وما يؤول إليه وما يراد منه وما الأمور التي تطلبه في نزول الكتب ، حتّى إذا بلغ مرتبة النبوّة رفع الحجاب بين علمه وبين ما كان مُودَعًا في حقيقته المحمّديّة من العلوم والمعارف والأسرار ، ويدلّ على هذا الذي ذكرناه قولُه صلّى الله عليه وسلّم : « كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » ، وحيث كان في ذلك الوقت نبيّا يستحيل أن يجهل الرسالة والنبوّة والكتاب ومطالبات الجميع وما يؤول إليه كلٌّ منها وما يُراد من جميعها ، فالحديث شاهد على ما ذكرناه .
ويدلّ على ذلك أيضا أنّه صلّى الله عليه وسلّم قبل وجود جسده الكريم ما بعث الله نبيّا ولا رسولا في الأرض إلاّ كان هو صلّى الله عليه وسلّم مُمِدّ ذلك الرسول أو النبيّ من الغيب من حيث أنّه لا يتأتّى نبيّ ولا رسول أن ينال من الله تعالى قليلا ولا كثيرا من العلوم والمعارف والأسرار والفيوض والتجليّات والمواهب والمنح والأنوار والأحوال إلاّ بواسطة الاستمداد منه صلّى الله عليه وسلّم ، وهو المُمِدّ لجميعها في عالم الغيب فكيف يمدّهم بما هُمْ علماء به وهو جاهلٌ به صلّى الله عليه وسلّم . و لم يزل يركض في هذا الميدان ركضا لا تماثله فيه الأرواح ولا تشمّ لمقامه الأعظم فيه رائحة . وهو فيما قبل وجوده صلّى الله عليه وسلّم كحالة علمه بعد رسالته في الفيض والمَدَدِ على جميع الأنوار وإنّما حجب الله عنه هذه الأمور - أعني عن عِلْمِهِ صلّى الله عليه وسلّم بعد وجود جسده الشريف وقبل نبوته - وهي مكنوزة في حقيقته المحمّديّة لسرٍّ عَلِمَهُ الله ، فالاحتجاب لا يطلع عليه غيره . وسرّ ذلك سدل الحجاب على النبي صلّى الله عليه وسلّم إذْ لو كشف الله له قبل النبوّة ما أدرجه في حقيقته المحمّديّة وتكلّم به قبل زمن الرسالة والبعث لوقع الريب في نفس المدعوّين فيما تحدّث لهم به من الرسالة ، يقولون له إنّما كنتَ تتكلّم بهذا الأمر من أوّل أمْرك ، نقلتَه عن غيرك ، لست نبيا ، فستَرَه الله عنه كي لا ينطلق . فلمّا كان زمن النبوّة رفع الله الحجاب عنه وما أرى الله الناس فيه صلّى الله عليه وسلّم قبل نبوّته من كونه أميّا لا يعلم شيئا ولا يدري شيئا ولا وقعتْ له مخالطة أحد من أهل الكتب أو القرب منه ليكون إذا كلّمهم بما كلّمهم به من أحوال الرسالة والنبوّة يعلمون أنّ ذلك حقّ لكونه صدر من أمِيٍّ لا يعلم شيئا ولم يكن ذلك إلاّ نبوّة . فهذا سرّ الاحتجاب ، وشاهد هذا قوله سبحانه وتعالى : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ .
وإيّاك أن تفهم من هذا أنّ حقيقته المحمّديّة كانت عريّة عن هذا قبل النبوّة ، فلا يصحّ هذا الظنّ بل حقيقته المحمّديّة لم تزل مشحونة من جميع هذه المعارف والعلوم والأسرار من أوّل الكون من حيث أنّه أوّل موجود أوجده الله تعالى قبل وجود كلّ شيء وفَطَرَهُ على هذه العلوم والمعارف والأسرار ، ولم يزل مشحونا بها إلى أن كان زمن وجود جسده الكريم صلّى الله عليه وسلّم فضُرِب الحجاب بينها وبين عِلْمِه بها صلّى الله عليه وسلّم إلى أن كان زمن النبوّة فرُفِعَ الحجاب وأطلعه على ما أودعه في حقيقته المحمّديّة ممّا ذُكر أوّلا وما خاطبه به في قوله : مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ، أخبر عن حالة احتجاب ما كان في حقيقته أوّلا عن علمه صلّى الله عليه وسلّم بها فقط لا أنّها لم يكن العلم بها في حقيقته ، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم قبل النبوّة من حين خروجه من بطن أمّه لم يزل من أكابر العارفين ولم يطرأ عليه حجاب البشريّة الحائل بينه وبين مطالعة الحضرة الإلهيّة القدسيّة ، وكان من أفراد العالم ، الفرد نسبته إلى عموم العارفين والصدّيقين كنسبة العارف بالله إلى العامّة لا يعرفون شيئا ، وكان في تلك المرتبة صلّى الله عليه وسلّم متحقّقا بمرتبة أنْ يأخذ العلم عن الله بلا واسطة ولا يجهل شيئا من أحوال الحضرة الإلهيّة ، ولم يطرأ على شمسه في هذا المحلّ أُفُوالٌ صلّى الله عليه وسلّم ، والعلم بالله تعالى الذي هو عند الأفراد العارفين ثابت له في هذه المرتبة وإنّما حجب الله عنه في هذا الميدان ماهيّة الرسالة ومطالبها وما يؤول إليه وما يراد منها ، وكذا حجب الله عنه العلم بكيفيّة نزول الكتب وما يؤول إليه وما يراد منه وما الأمور التي تطلبه في نزول الكتب ، حتّى إذا بلغ مرتبة النبوّة رفع الحجاب بين علمه وبين ما كان مُودَعًا في حقيقته المحمّديّة من العلوم والمعارف والأسرار ، ويدلّ على هذا الذي ذكرناه قولُه صلّى الله عليه وسلّم : « كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » ، وحيث كان في ذلك الوقت نبيّا يستحيل أن يجهل الرسالة والنبوّة والكتاب ومطالبات الجميع وما يؤول إليه كلٌّ منها وما يُراد من جميعها ، فالحديث شاهد على ما ذكرناه .
ويدلّ على ذلك أيضا أنّه صلّى الله عليه وسلّم قبل وجود جسده الكريم ما بعث الله نبيّا ولا رسولا في الأرض إلاّ كان هو صلّى الله عليه وسلّم مُمِدّ ذلك الرسول أو النبيّ من الغيب من حيث أنّه لا يتأتّى نبيّ ولا رسول أن ينال من الله تعالى قليلا ولا كثيرا من العلوم والمعارف والأسرار والفيوض والتجليّات والمواهب والمنح والأنوار والأحوال إلاّ بواسطة الاستمداد منه صلّى الله عليه وسلّم ، وهو المُمِدّ لجميعها في عالم الغيب فكيف يمدّهم بما هُمْ علماء به وهو جاهلٌ به صلّى الله عليه وسلّم . و لم يزل يركض في هذا الميدان ركضا لا تماثله فيه الأرواح ولا تشمّ لمقامه الأعظم فيه رائحة . وهو فيما قبل وجوده صلّى الله عليه وسلّم كحالة علمه بعد رسالته في الفيض والمَدَدِ على جميع الأنوار وإنّما حجب الله عنه هذه الأمور - أعني عن عِلْمِهِ صلّى الله عليه وسلّم بعد وجود جسده الشريف وقبل نبوته - وهي مكنوزة في حقيقته المحمّديّة لسرٍّ عَلِمَهُ الله ، فالاحتجاب لا يطلع عليه غيره . وسرّ ذلك سدل الحجاب على النبي صلّى الله عليه وسلّم إذْ لو كشف الله له قبل النبوّة ما أدرجه في حقيقته المحمّديّة وتكلّم به قبل زمن الرسالة والبعث لوقع الريب في نفس المدعوّين فيما تحدّث لهم به من الرسالة ، يقولون له إنّما كنتَ تتكلّم بهذا الأمر من أوّل أمْرك ، نقلتَه عن غيرك ، لست نبيا ، فستَرَه الله عنه كي لا ينطلق . فلمّا كان زمن النبوّة رفع الله الحجاب عنه وما أرى الله الناس فيه صلّى الله عليه وسلّم قبل نبوّته من كونه أميّا لا يعلم شيئا ولا يدري شيئا ولا وقعتْ له مخالطة أحد من أهل الكتب أو القرب منه ليكون إذا كلّمهم بما كلّمهم به من أحوال الرسالة والنبوّة يعلمون أنّ ذلك حقّ لكونه صدر من أمِيٍّ لا يعلم شيئا ولم يكن ذلك إلاّ نبوّة . فهذا سرّ الاحتجاب ، وشاهد هذا قوله سبحانه وتعالى : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ .