لسيدي محمد شريف الحسني قدس الله سره
1. أَأَخْلُـوا بِخَولى بعدَ ضَحْـوِ الهِـدايةِ ** أُسامِرُها سرّا بِدَمْسِ الضّلالةِ
2. نَهِـــلْنا مَـذاقِ السِّلمِ مِــــنها ولا رَيًّا ** كـأنّما نُسْـقى مِن سَرابِ الغِوايةِ
3. عَهِدنا بها مِـن قبلِ نَصـــبِ حجابِها ** ولكـــنّها بعــــدَ الظُّـهُــورِ تَخَفَّـــتِ
4. ولَم تَكْتَفي قَصْرَ الخِيّامِ وحَـــجْرَها ** فَــعَزَّتْ عـــلينا بالرُّسـومِ الدَّلِــــيلةِ
5. لذا ما اكْتَفَينا بالتَّـجَلِّي التَّصَـوُّرِي ** فَمَشْهَدُنا صِـــرْفٌ لِوَجْــــهِ الحَرِيْمَةِ
6. وإنّا على تِـــــلكَ العُّــهُـودِ تَتَيُّـمًا ** فَلَسْنا نَرى غَــــيرًا لِتِـــلْكَ اليَتِيمَةِ
7. ألَا لَيْتَها تَدْرِي بـأنّي عُبَيـــدُها ** وأنِّيَ في الهَـــوى أَذَلُّ الأَذِلَّـةِ
8. فَيَـــا مَـــن لَهُ وَصْلٌ بِحَـيِّها حَيِّها *** لِيُحْيِّيْ مَـــواتِي مِـــنها رَدُّ التَّحِيَّةِ
9. وقائِلَةٌ تُبْ عَن هَواها وهِيتَ لَكْ ** فَقُلتُ مَعــــاذَ اللهِ إنّها رَبَّـــــتِي
10. دَعِينِي فَلَيسَ العَـهْـــدُ إلّا لِأَوَّلٍ ** وبالصَّدِّ يَزْدادُ الهَوى في الصَّبابَةِ
11. تَعَرَّفْتُهـا حـالَ الصَّــفـــاءِ وإنَّنِــــي ** شَرِبتُ هَواها في لِبانِ الرَّضــاعةِ
12. تَرَينَ إنْ أَقْلُــــوها فــأينَ بَدِيلُها ** وتلك الّتي مِنها البُدُورُ اسْتَنارَتِ
13. أَمُوتُ وَرُوحِي تَشْجُو بَينَ خَيالِها ** وتَرعى هِلالَ الوَصْلِ في كلِّ لَيـلةِ
14. لَيـالِ الوِّصــالِ عَــــدْنُنــا بلْ كَثِيبُنا ** فمــــا السَّعدُ إلّا في لِقاءِ الأحِـبَّةِ
15. وبــعــدَ لِباسِ السِّرِّ زَيَّ التَّعَـذُّرِ ** أُجاهِرُ بالمَرْقُـــومِ دُونَ خَـــلاعَـةِ
16. تَيَمَّمتُ أنْ أُنْشِي وأُفْشِي حَــــقائِقًا ** تُذَكِّـــرُنا باللَّيــلةِ الأَحْمَــــديّـــــةِ
17. أَيَحْسُنُ عِرْفـانــًا وعُـــرْفًا صُدُودُنا ** وإمْــدادُهُ يَتْرى بـــكـلِّ دَقَيقَـــــةِ
18. تَوَقَّفْ مَــعَ الأطلالِ حَولَكَ بُرْهَــــةً ** فَفِيكَ قُصُورٌ بَلْ عرُوشُ الحقيـقَةِ
19. وَغُصْ طَالِبًا في بَحْـرِ ذاتِكَ أسْرارًا ** مُخَـزّنَــــةً صَــوْنًا لِعِــــزِّ المَـكــــانَةِ
20. بِسَبْعِينَ ألْفٍ مِـنْ حجابٍ مُكَثَّفٍ ** ودُونَهـا سَحْـــقٌ لِلحيـاةِ الدَّنَــــيّةِ
21. فخـُـــذْ لَكَ رُبَّــانــا خَـبِيرًا بِمَــــتْنِها ** فَقَعْرُها طـامِيٌّ خَـطِيرُ السِّباحَـةِ
22. ولا تَضَعَنْ مِن أَنْفِ قَدْرِك واعْتَلِي ** لأنـتَ حَــــقِيقيٌّ قُـدُّوسُ الهَــوِيَّتي
23. فما العَرشُ والكُرْسيُّ واللَّوحُ والقَلَمْ ** سِـوى ذَرَّةٍ مِــن عـالَمِ الآدمِّيّةِ
24. وما وَسِعَ الرّحمنَ عُـلوٌّ ولا سُـفْلٌّ ** ولكنَّهُ قـــدْ حَــلَّ في البَشَرِيَّـةِ
25. فحــمَّلَــــنــــا نُـــورَ الحَبِيـبِ أمــــانَــةً ** وَهَيَّأَنـــا وُسْــــعًا لِتِــــلْكَ الرَّقِـيقَةِ
26. وأُمَّــــتَــهُ خُــصَّتْ بِسْـقَيٍّ مُرَكَّـزٍ ** فَـــصَــــيَّرَهــــا أُمِّــــيَّـــــةً لِلـــبَريّــــةِ
27. هَنِيئًا لَنــا والرُّسـلُ يَرْجُونَ قُرْبَهُ ** وفَرْضٌ علينا شُكـرُ أَعْظَـمِ مِـــنَّةِ
28. تَفَطَّنْ وَعِي مِـن قبلِ أنْ تَتَقَدَّما *** وفِيكُم رَسُولَ اللهِ أَجْلى إشارَةِ
29. فَمَـــن فَهِمَ السِّرَّ الّذي بَينَ جَنْبَيهِ ** تَبــصَّرَ بِالحقيـــــقَةِ المحتـــــديّــــةِ
30. أَلَا إنّـــهُ أَمْــــرٌ عَــــزِيزٌ مُحَــرَّمٌ ** فَكُــنْهُــهُ مِــن أنْوارِ يُوحِ الأنِــــيَّةِ
31. لقدْ كانَ قبلَ القَبلِ كَنْزًا مُصَدّفًا ** بِـصِرْفِـــيَّـــــةٍ بَهْــمِيَّــةٍ أَحَــــدِيّـَـــةِ
32. تَجَلَّتْ بِهِ الذّاتُ العُلى مِن عَمائِها ** مِـــثالًا فَــــريدًا أَوْتَرِيَّ الحقيــــقةِ
33. فَــــنِسْبَتُــــهُ أُمِّــــيَّــــةٌ يَــــالِفَــخْــــرِهِ ** ومَحْتِــــدُهُ تاجُ الحُـــــرُوفِ العَلِيَّةِ
34. سَرِيرَتُهُ مِـن سِرِّ سِرِّ الهُـــوِّيَّـــة ** مُــؤَهَلَةٌ كَـيْمَا تَكُـــنْ كالخِـــزانَةِ
35. لِيَكْمُـنَ لُبَّ العَينِ في غَيْبِ بَطْنِهِ ** حِجـــــابًا وبابًا لِلكُـنُوزِ الخَبِيـئَةِ
وبَعدَ طُمُوسِ العَينِ في دَمْسِ خَلْوَةٍ * تَفَجَّرَتِ اللّاهُوتُ مِن شَمْسِ جَلْوَةِ
37. أَنــــاهُ وإلّا لا رَقِـــــيْمَــــةَ تُجْتَـــــلــى ** جَــــلاوَتُهُ تَفْصِيـــلُ مُـجْمَلِ خَلْوَةِ
38. ولا زَالَ في إمْـــــدادِهِ مُتُمَـــــدِّدًا ** دوامُ قِيّامِ الكَـونِ بــالبَرْزَخِــــيَّةِ
39. ولوْ حتّى لِلحُجْبِ الـمُدَّلاّةِ كيفَ لا ** وذاك رِداءُ الكِـــبْرِيـّاءِ الـــمُمِيْتَةِ
40. فَحِـــينَ أَذانِ الفَجْرِ قــامَتْ إمــامَتُهْ ** ومَـــن غَـيرُهُ أرْعى لأَمْرِ الرَّعِيَّةِ
41. تَرَقَّمَ للقَـوْسَـــينِ قــابًــــا بــلِ ادَّنى ** فَــعَيْنِيَّةُ الدَّوْرَينِ كــــالمَـــرْكَـــزِيَّةِ
42. وَسيَّانَ أنْ تَشْهَـــدْهُ أَدْنى أوِ ادَّلى ** فَــأبْصِرْ بِــهِ جَمْــعًا بِعَـــينِ الحـَــقِيقـــةِ
43. تَدلَّتْ بِهِ الآزالُ مِن بعــدِ ما ادَّنى ** تَعَـرُّفَ تَوْصِيـــــفٍ إلى الأبــديّة
44. فَكَــبِّرْهُ بالأَجْلى وكبِّر بِهِ الأخْـفَى ** بِمَزْجِ الأَنا تَهْدِيكَ عَـــينَ الهُــوِّيَّةِ
45. تَوَحَــــدَتِ الآثارُ في جَمْــعِ وَصْفِــهِ ** كـــما وَحَّــدَ الأسْـماءَ في الأحَــــديَّةِ
46. تَعَـــدَّدَتِ الأرْقـــامُ للنُّــونِ كُلِّـــها ** كَرَمْزٍ لهُ مِــن دُونِ عَــــدِّ النِّـهايَةِ
47. ومنهُ ارْتِسـامُ الظِّلِّ بعـدَ التَّكَثُّرِ ** كلامُ حُروفٍ مِن تَمَـدُدِ نُقْطةِ
48. فـــبَــاطِنُــــهُ ظَــهْــرٌ لِبَطْـــنِ عَمَائِهِ ** وظـاهِـــرُهُ بَطْــنُ البِــــلادِ الدَّلِيَّةِ
49. هُيُولى مِــــدادِ الكــــلِّ رَشْحَةُ نُورِهِ ** وُجُودًا وإمـــــدادًا لـــــكلِّ البريَّةِ
50. مِنَ الرُّوحِ مَجْلى العالمـينَ ولَن تَزَلْ ** فرَوْحًا لَـنــا بــالذّاتِ أمِّ الــهُيُــولَةِ
51. وأسْرارُهُ لَـمْ تَــبْرَحِ الكهـــفَ رَحْمَةً ** وذلك مِـــن أسرارِ سِرِّ الإرادةِ
52. كــذلك إنَّ السِّرَّ مُـبْطِلُ أَمْـــرِها *** فنُعْمًــا لــنــا بالبَـــونِ كـالبَرْزَخِيَّةِ
53. تَجَلّى بهِ المَولى فــأَبْــدَعَ خَــلْقَـهُ ** عَبِيـــدًا لهُ شُكْـــرًا لِتْلكَ العُبُودَةِ
54. تَمَلّكــهُــــم كُــــلاًّ تَمَلُّكَ إمْـــــدادٍ ** فمَــحْتِـــدُهُم أَولى بِشأنِ الأُبُـــــوَّةِ
55. وبِكْـــرُ ذَرارِيهِ الـمَعانِي العَلِيَّـةُ ** مُــلُــوكُ الجَـــبَرُوتِيَّـــــةِ السُّبُحِيَّةِ
56. مَنَ اَرْضَعَهُــم أَلْبَــانَ فِطْــرَةِ ذاتِهِ ** ورَبّـــــاهُمُ رَعْــيًا بِحِجْــرِ الأَنِـــيَّةِ
57. وزَوَّجَهُــم بعــدَ البُلُــوغِ فــأَنْجَبُــوا ** فـــآتَـــوْهُ أحْــــفـادًا لَدَى الأَثَرِيَّةِ
58. ولْن يُفْطَمُوا مِن سَقْيِهِمْ منهُ سَرْمَدًا *** وإلاَّ لَسَـــاطَتْ كَــــرَّةُ العَــــدَمِــــيَّةِ
59. وبالمَلَكُــوتِ الأَعلى نَزْلَتُهُ الأُخْرى ** تَسَــوّى على أَجْـرامِهِ الـمُسْتَنِيرَةِ
60. على الجِسْمِ والرَّقَّا وحُجْبِ السَّتَارَةِ ** ومَن دُونَهُم وُسْعًا كَعَرْشِ الإِحاطَةِ
61. تَمَلَّكُـــوا مِــن آبــائِهِمْ قَـــدْرَ وُسْعِهِمْ ** كَــأَمْــلاكِــهِــــمْ حِمْلًا لِعِبْئِ الخِلافَةِ
62. فَـوَثَّقَهُــــم والكُــلُّ شــاهَـــــدَهُ حَــــقًّا ** وَعـــاشُـــوا بِهِ في عُهْــدَةٍ أَحْمَـدِيَّةِ
63. وحَتّى أَتى الأُنْمُـوذَجُ الرَّسْمِي لِلأنا ** بـأَنْــــوارِهِ اللّاتي سَبَتْ إذْ تَجَلَّتِ
64. بآدَم مَــجْــــلَاهُ تَجَـــــلَّى مُحـــــيّاهُ ** فـَـسَلَّمَتِ العَلْــيَــا سُجُـودًا لِبَيْعَةِ
65. وأَنْزَلَهُ الآثـــــارَ كَـــيـــمــا يُعَلِّيـــهِ ** فَيَشْهَــــدَ تَفْصِيــــلًا لِمُجْمَلِ نُقْطَةِ
66. تدلّى بهِ بَعـــــد الـمَنَــابِ خِلافَـةً ** ورَأَّسَـــــهُ حـــتَّى عــلى الأَوَلِّيَّــــةِ
67. وأَلْبَسَـــهُ مِـــن ذّاتِــــهِ وصِــــفاتِــــهِ ** وخَتَّمَــــهُ مِــن دُونِهِــم بالرَّقِــيقَـةِ
68. فـــلا زالتِ العَلْــيَـــا تَدِينُ بِحَـــقِّــــهِ ** وتَخْـدِمُـــــهُ سَخْـــرًا لهُ كــالرَّعِيَّـــةِ
69. وجـــادَ على الأكـوانِ بالدُّرِّ مِدراراً ** فُرُوعــًـا لـــــهُ نراهُمُ كـــالأَصــــالَـةِ
70. مَظاهِرُهُم كــــانَت تَراتِيبُ حِـكمَــِةٍ ** على رَأْسِهِـم أَقْطـابُ دَوْرِ الرِّسالةِ
71. يَنُوبُونَ في التَّبْلِيغِ عنْ أصْلِهِــم طُرًّا *** لأَنَّهُــــمُ الأَدْنى لِـوُثْــقِ العَــلاقَــةِ
72. وبعدَ اسْتِدارِ الدَّهْرِ كالهَيْئَةِ الأُولى ** تَرَقَّــمَتِ الأنْوارُ في رَسْمِ صُورَةِ
73. فـيَــا شُمَّ مَن شــامُـوا وشَمُّوا نِعالَهُ ** فَتِلكَ مُنَى أَجْـبـــاهِ أهلِ النُّبُوةِ
74. وَفـازَتْ بِها أصحابُهُ فَــيــا سَعْــدَهُم ** فَطُوبى لهُم طُـــوبى بتِـــلك المـزيَّةِ
75. تَشَرَّفَـتِ الأَشْــهادُ بَعــــدَ غُيُـوبِــــهِ ** ولا بُــــدَّ لـلآثـارِ مــــنهُ بِــزَوْرَةِ
76. ونَزْلَتُــــهُ الأُوْلى عَلَينـــا تَفَضُّــــلًا ** لِذلِكَ فُـــضِّلْــنـــا على المَلَـكِــيَّـــــةِ
77. تَسَتَّرَ بالــزَيِّ الرِّســــالِيِّ نَـــــازِلًا ** فَـــأَجْمَـــلَ كُــلَّ الكلِّ في قَيدِ بُرْهَةِ
78. وبَعْدَها أَلْقى السِّتْرَ عَــمَّن لا يُبْصِرُ ** وغابَ بِـــغابِ الدَّوْرَةِ الـبَّرْزَخِـــيَّـــةِ
79. لَطــــالَمَـا كــــانُـــوا يَرْقَــبُونَ هِــلالَها ** فَراحَتْ بِهِ الأرْواحُ يَـومَ الـوِّلادَةِ
80. وبالقُبَّةِ الأسمى الَّتي ازْدَانَ طِيْبُــها ** بِهِ عِنـــدَ مَجْلاهُ فَطــابَتْ كَطَيْبَةِ
81. ولكِــنَّـــــهُ في هَـذِهِ ومَـــا قَــبْلَها ** تَقَـدَّسَ عَن رَسْمٍ وعَن كلِّ نَزْلَةِ
82. وبعـــدَ فَنـــاءِ الدّارِ تُجْلى الحقائِقُ ** بِمَعْــــنَى قِــيّـــامِ السّـاعَةِ الأَحْمَدِيّة
83. فَــنُحْشَرَ أَجْـــزاءً إلى كلِّ كُـلِّنا ** عَبِيـــدًا وبَعْــــدَ الأَبْقِ أُبْنَا لِفِطْرَةِ
84. فَيَحْكُمَ فِينا كَيفَ شاءَ ويَنْجَلي اسْـــــ**ــــــــتِوَاءً عَلى العَرْشِ المَجِيـدِ بِسُلْطَةِ
85. كَــمَا يَتَجَلَّى في الجِنانِ بِرِيْـــقِهِ ** فمِـــن سَقْيِّـــهِ زانَتْ وإلاَّ لَشانَتِ
86. وحتَّى على النِيرانِ جلَّ جــــلالُهُ ** وهــــاهُــــنا أَسْرارٌ حَرامُ الكِـتابَةِ
87. ونَزْلَتُهُ العُلْيَـا علينــا كَـــــثِيبُنـــــا ** وتَبْقَى مُــــنــــازالاتُـــهُ دُونَ غــايَةِ
88. تَصَوُّرُهُ مــــا بَينَنَـــــا كَــــيما نَرْتَـــقي ** فَهَدْيُــــهُ ذاتِيٌّ حَـــقِـــيــقُ الـدّلالَةِ
89. وقِــــبْلَتُهُ لِلـــعَـــالَمِــــينَ وَجِــــيْــهـةٌ ** لإنّما حُجْبُ الوَجْهُ مِــنهُ اسْتَمَدَّتي
90. تَجَلّى بِــهِ المولى عَلينا لِنَشْهَــــدَهْ ** كَـــعَيِّنَــــةٍ لِلـحَضْــــرَةِ الأَزَلِـــيَّــــةِ
91. فَــــلا بـــائِــنٌ عنهُ ولَيسَ سِوًى ولا ** وُجُــودُهُ غَـيرٌ عِندَ أهلِ الحَقِيقة
92. فكلُّ الّذي فَصَّلْتُ فِيكَ مُجَمَّلٌ ** أَيَا جــاهِـــلًا ياظــالِمًـــا لِلأمــانَةِ
93. فــــيَــــا أيّـها الأُنْمُــوذَجُ الْمُـــتَرَقِّــمُ ** أَلَا إنَّك المقْصُودُ في ذِي القَصِيدَةِ
94. تَبَـصَّرْ لِــــكَــــيْمَا تَنْتَهِضْ بِكَ هِمَّــةٌ ** فَحَـتَّى السُّلُوكُ رَهْـنُ فَتْحِ البَّصِيرَةِ
95. فإِنْ رُمْتَ تَحْــقِيقًا فَكُــن مُـتَعَلِّقًا ** وَدُونَك فَـالْثَـمْ تُرْبَ نَعْلِ الأَحِبَّةِ
96. فَحَضْرَتُهُ حِـصْنٌ مِنَ البَيْنِ عاصِمٌ ** تَوَلَّـــــه بِـــهِ حَـــتَّى فَــنَــاءِ الأَنِيَّـــةِ
97. وإلّا فَــــلا وَصْــلٌ تَراهُ بِــــدُونِــــهِ ** فمـــاذَا بُعَيــدَ الحَـقِّ إلّا الضَّـــلالَةِ
98. ولَا تَبْتَعِــدْ قَصْـــدًا فَفِيكَ الْمُــؤَمَّلُ ** وُلُــوجًا إلَيكَ سَالِكــــا لَا بِعَرْجَـةِ
99. خُلُوّا عَنِ الأغيارِ والنَّفْسِ فَــانِيّا ** لِكَي يَنْجَلِي مِـن باطِنِ نُورُ جَلْوَةِ
100. وبَعــــدَ الفَنـــاءِ فِــيـــهِ تَبْقَى محمّـــدًا ** فَتَتَّحِـدَ الأوْصافُ والذّاتُ بالذّاتِ
101. لَـهَــــذا هُوَ التّوحِيدُ فارْعَى شُهُودَهُ ** فَـوِحْـــدَتُهُ لَا تُبْقِي بَينَ شَراكَتِي
102. وَفِي حَضْرَةِ الإِحْسانِ هاهُنا مَشْهَدٌ ** كَعَينِ يَقِــينٍ دُونَ تِلكَ الدّقِيقَةِ
103. ففِيهِ كَـــــثِيبُ العـاشِـقِـــينَ تَعَلُّلًا ** إلى أنْ تَحِلَّ بَعدُ كُبْرَى السَّعادَةِ
104. حَـــقِيقَتُــــهُ غــــابَتْ عَلَينـــا تَفَضُّلًا ** فَلَو بَرَقَتْ دَكَّتْ وُجُـودَ الخَلِيقَةِ
105. وفي الكُــثْبِ لَمّا لا فَنـــاءَ يَـــذُودُنـــا ** يَجُـــوزُ لنــا رُؤيـــاهـــا لِــــلأبَـــدِيَّـةِ
106. بِعَيْنَيْــــهِ مَـــشْهُودٌ فَمـا غَـــيْرُه يَرَى ** لِعِزَّةِ وَجْـــهِ اللهِ ذِي الأَحَــدِيَّةِ
107. أَيَــــا مَحْتِــــدَ الأكـوانِ بَلْ وَيا قلبَهــا ** ويا لَازِمَ الإِمْكــــــانِ بـالوَاحِــديّة
108. ويا رُوْحَ أَرْواحِ الوَرى وَحَـيَاتَهُم ** صِلِ الرُّوحَ مِن عَينِ الحَيَاةِ بِنَفْحَةِ
109. فَغَوثًا بِسِرِّ النَّعْلِ رُوْحِي فِــدائُها ** وسَيِّــدِنـــا يَعْفُــورِ عَرْشِ الجَلالَةِ
110. مِـــدادًا بــأنْـــوارِ التَّعَلُّقِ مِــــنهُــمُ ** لِنَحْيَا بِوَقْفٍ فِيكَ دُونَ نِهايَــــــــةِ
1. أَأَخْلُـوا بِخَولى بعدَ ضَحْـوِ الهِـدايةِ ** أُسامِرُها سرّا بِدَمْسِ الضّلالةِ
2. نَهِـــلْنا مَـذاقِ السِّلمِ مِــــنها ولا رَيًّا ** كـأنّما نُسْـقى مِن سَرابِ الغِوايةِ
3. عَهِدنا بها مِـن قبلِ نَصـــبِ حجابِها ** ولكـــنّها بعــــدَ الظُّـهُــورِ تَخَفَّـــتِ
4. ولَم تَكْتَفي قَصْرَ الخِيّامِ وحَـــجْرَها ** فَــعَزَّتْ عـــلينا بالرُّسـومِ الدَّلِــــيلةِ
5. لذا ما اكْتَفَينا بالتَّـجَلِّي التَّصَـوُّرِي ** فَمَشْهَدُنا صِـــرْفٌ لِوَجْــــهِ الحَرِيْمَةِ
6. وإنّا على تِـــــلكَ العُّــهُـودِ تَتَيُّـمًا ** فَلَسْنا نَرى غَــــيرًا لِتِـــلْكَ اليَتِيمَةِ
7. ألَا لَيْتَها تَدْرِي بـأنّي عُبَيـــدُها ** وأنِّيَ في الهَـــوى أَذَلُّ الأَذِلَّـةِ
8. فَيَـــا مَـــن لَهُ وَصْلٌ بِحَـيِّها حَيِّها *** لِيُحْيِّيْ مَـــواتِي مِـــنها رَدُّ التَّحِيَّةِ
9. وقائِلَةٌ تُبْ عَن هَواها وهِيتَ لَكْ ** فَقُلتُ مَعــــاذَ اللهِ إنّها رَبَّـــــتِي
10. دَعِينِي فَلَيسَ العَـهْـــدُ إلّا لِأَوَّلٍ ** وبالصَّدِّ يَزْدادُ الهَوى في الصَّبابَةِ
11. تَعَرَّفْتُهـا حـالَ الصَّــفـــاءِ وإنَّنِــــي ** شَرِبتُ هَواها في لِبانِ الرَّضــاعةِ
12. تَرَينَ إنْ أَقْلُــــوها فــأينَ بَدِيلُها ** وتلك الّتي مِنها البُدُورُ اسْتَنارَتِ
13. أَمُوتُ وَرُوحِي تَشْجُو بَينَ خَيالِها ** وتَرعى هِلالَ الوَصْلِ في كلِّ لَيـلةِ
14. لَيـالِ الوِّصــالِ عَــــدْنُنــا بلْ كَثِيبُنا ** فمــــا السَّعدُ إلّا في لِقاءِ الأحِـبَّةِ
15. وبــعــدَ لِباسِ السِّرِّ زَيَّ التَّعَـذُّرِ ** أُجاهِرُ بالمَرْقُـــومِ دُونَ خَـــلاعَـةِ
16. تَيَمَّمتُ أنْ أُنْشِي وأُفْشِي حَــــقائِقًا ** تُذَكِّـــرُنا باللَّيــلةِ الأَحْمَــــديّـــــةِ
17. أَيَحْسُنُ عِرْفـانــًا وعُـــرْفًا صُدُودُنا ** وإمْــدادُهُ يَتْرى بـــكـلِّ دَقَيقَـــــةِ
18. تَوَقَّفْ مَــعَ الأطلالِ حَولَكَ بُرْهَــــةً ** فَفِيكَ قُصُورٌ بَلْ عرُوشُ الحقيـقَةِ
19. وَغُصْ طَالِبًا في بَحْـرِ ذاتِكَ أسْرارًا ** مُخَـزّنَــــةً صَــوْنًا لِعِــــزِّ المَـكــــانَةِ
20. بِسَبْعِينَ ألْفٍ مِـنْ حجابٍ مُكَثَّفٍ ** ودُونَهـا سَحْـــقٌ لِلحيـاةِ الدَّنَــــيّةِ
21. فخـُـــذْ لَكَ رُبَّــانــا خَـبِيرًا بِمَــــتْنِها ** فَقَعْرُها طـامِيٌّ خَـطِيرُ السِّباحَـةِ
22. ولا تَضَعَنْ مِن أَنْفِ قَدْرِك واعْتَلِي ** لأنـتَ حَــــقِيقيٌّ قُـدُّوسُ الهَــوِيَّتي
23. فما العَرشُ والكُرْسيُّ واللَّوحُ والقَلَمْ ** سِـوى ذَرَّةٍ مِــن عـالَمِ الآدمِّيّةِ
24. وما وَسِعَ الرّحمنَ عُـلوٌّ ولا سُـفْلٌّ ** ولكنَّهُ قـــدْ حَــلَّ في البَشَرِيَّـةِ
25. فحــمَّلَــــنــــا نُـــورَ الحَبِيـبِ أمــــانَــةً ** وَهَيَّأَنـــا وُسْــــعًا لِتِــــلْكَ الرَّقِـيقَةِ
26. وأُمَّــــتَــهُ خُــصَّتْ بِسْـقَيٍّ مُرَكَّـزٍ ** فَـــصَــــيَّرَهــــا أُمِّــــيَّـــــةً لِلـــبَريّــــةِ
27. هَنِيئًا لَنــا والرُّسـلُ يَرْجُونَ قُرْبَهُ ** وفَرْضٌ علينا شُكـرُ أَعْظَـمِ مِـــنَّةِ
28. تَفَطَّنْ وَعِي مِـن قبلِ أنْ تَتَقَدَّما *** وفِيكُم رَسُولَ اللهِ أَجْلى إشارَةِ
29. فَمَـــن فَهِمَ السِّرَّ الّذي بَينَ جَنْبَيهِ ** تَبــصَّرَ بِالحقيـــــقَةِ المحتـــــديّــــةِ
30. أَلَا إنّـــهُ أَمْــــرٌ عَــــزِيزٌ مُحَــرَّمٌ ** فَكُــنْهُــهُ مِــن أنْوارِ يُوحِ الأنِــــيَّةِ
31. لقدْ كانَ قبلَ القَبلِ كَنْزًا مُصَدّفًا ** بِـصِرْفِـــيَّـــــةٍ بَهْــمِيَّــةٍ أَحَــــدِيّـَـــةِ
32. تَجَلَّتْ بِهِ الذّاتُ العُلى مِن عَمائِها ** مِـــثالًا فَــــريدًا أَوْتَرِيَّ الحقيــــقةِ
33. فَــــنِسْبَتُــــهُ أُمِّــــيَّــــةٌ يَــــالِفَــخْــــرِهِ ** ومَحْتِــــدُهُ تاجُ الحُـــــرُوفِ العَلِيَّةِ
34. سَرِيرَتُهُ مِـن سِرِّ سِرِّ الهُـــوِّيَّـــة ** مُــؤَهَلَةٌ كَـيْمَا تَكُـــنْ كالخِـــزانَةِ
35. لِيَكْمُـنَ لُبَّ العَينِ في غَيْبِ بَطْنِهِ ** حِجـــــابًا وبابًا لِلكُـنُوزِ الخَبِيـئَةِ
وبَعدَ طُمُوسِ العَينِ في دَمْسِ خَلْوَةٍ * تَفَجَّرَتِ اللّاهُوتُ مِن شَمْسِ جَلْوَةِ
37. أَنــــاهُ وإلّا لا رَقِـــــيْمَــــةَ تُجْتَـــــلــى ** جَــــلاوَتُهُ تَفْصِيـــلُ مُـجْمَلِ خَلْوَةِ
38. ولا زَالَ في إمْـــــدادِهِ مُتُمَـــــدِّدًا ** دوامُ قِيّامِ الكَـونِ بــالبَرْزَخِــــيَّةِ
39. ولوْ حتّى لِلحُجْبِ الـمُدَّلاّةِ كيفَ لا ** وذاك رِداءُ الكِـــبْرِيـّاءِ الـــمُمِيْتَةِ
40. فَحِـــينَ أَذانِ الفَجْرِ قــامَتْ إمــامَتُهْ ** ومَـــن غَـيرُهُ أرْعى لأَمْرِ الرَّعِيَّةِ
41. تَرَقَّمَ للقَـوْسَـــينِ قــابًــــا بــلِ ادَّنى ** فَــعَيْنِيَّةُ الدَّوْرَينِ كــــالمَـــرْكَـــزِيَّةِ
42. وَسيَّانَ أنْ تَشْهَـــدْهُ أَدْنى أوِ ادَّلى ** فَــأبْصِرْ بِــهِ جَمْــعًا بِعَـــينِ الحـَــقِيقـــةِ
43. تَدلَّتْ بِهِ الآزالُ مِن بعــدِ ما ادَّنى ** تَعَـرُّفَ تَوْصِيـــــفٍ إلى الأبــديّة
44. فَكَــبِّرْهُ بالأَجْلى وكبِّر بِهِ الأخْـفَى ** بِمَزْجِ الأَنا تَهْدِيكَ عَـــينَ الهُــوِّيَّةِ
45. تَوَحَــــدَتِ الآثارُ في جَمْــعِ وَصْفِــهِ ** كـــما وَحَّــدَ الأسْـماءَ في الأحَــــديَّةِ
46. تَعَـــدَّدَتِ الأرْقـــامُ للنُّــونِ كُلِّـــها ** كَرَمْزٍ لهُ مِــن دُونِ عَــــدِّ النِّـهايَةِ
47. ومنهُ ارْتِسـامُ الظِّلِّ بعـدَ التَّكَثُّرِ ** كلامُ حُروفٍ مِن تَمَـدُدِ نُقْطةِ
48. فـــبَــاطِنُــــهُ ظَــهْــرٌ لِبَطْـــنِ عَمَائِهِ ** وظـاهِـــرُهُ بَطْــنُ البِــــلادِ الدَّلِيَّةِ
49. هُيُولى مِــــدادِ الكــــلِّ رَشْحَةُ نُورِهِ ** وُجُودًا وإمـــــدادًا لـــــكلِّ البريَّةِ
50. مِنَ الرُّوحِ مَجْلى العالمـينَ ولَن تَزَلْ ** فرَوْحًا لَـنــا بــالذّاتِ أمِّ الــهُيُــولَةِ
51. وأسْرارُهُ لَـمْ تَــبْرَحِ الكهـــفَ رَحْمَةً ** وذلك مِـــن أسرارِ سِرِّ الإرادةِ
52. كــذلك إنَّ السِّرَّ مُـبْطِلُ أَمْـــرِها *** فنُعْمًــا لــنــا بالبَـــونِ كـالبَرْزَخِيَّةِ
53. تَجَلّى بهِ المَولى فــأَبْــدَعَ خَــلْقَـهُ ** عَبِيـــدًا لهُ شُكْـــرًا لِتْلكَ العُبُودَةِ
54. تَمَلّكــهُــــم كُــــلاًّ تَمَلُّكَ إمْـــــدادٍ ** فمَــحْتِـــدُهُم أَولى بِشأنِ الأُبُـــــوَّةِ
55. وبِكْـــرُ ذَرارِيهِ الـمَعانِي العَلِيَّـةُ ** مُــلُــوكُ الجَـــبَرُوتِيَّـــــةِ السُّبُحِيَّةِ
56. مَنَ اَرْضَعَهُــم أَلْبَــانَ فِطْــرَةِ ذاتِهِ ** ورَبّـــــاهُمُ رَعْــيًا بِحِجْــرِ الأَنِـــيَّةِ
57. وزَوَّجَهُــم بعــدَ البُلُــوغِ فــأَنْجَبُــوا ** فـــآتَـــوْهُ أحْــــفـادًا لَدَى الأَثَرِيَّةِ
58. ولْن يُفْطَمُوا مِن سَقْيِهِمْ منهُ سَرْمَدًا *** وإلاَّ لَسَـــاطَتْ كَــــرَّةُ العَــــدَمِــــيَّةِ
59. وبالمَلَكُــوتِ الأَعلى نَزْلَتُهُ الأُخْرى ** تَسَــوّى على أَجْـرامِهِ الـمُسْتَنِيرَةِ
60. على الجِسْمِ والرَّقَّا وحُجْبِ السَّتَارَةِ ** ومَن دُونَهُم وُسْعًا كَعَرْشِ الإِحاطَةِ
61. تَمَلَّكُـــوا مِــن آبــائِهِمْ قَـــدْرَ وُسْعِهِمْ ** كَــأَمْــلاكِــهِــــمْ حِمْلًا لِعِبْئِ الخِلافَةِ
62. فَـوَثَّقَهُــــم والكُــلُّ شــاهَـــــدَهُ حَــــقًّا ** وَعـــاشُـــوا بِهِ في عُهْــدَةٍ أَحْمَـدِيَّةِ
63. وحَتّى أَتى الأُنْمُـوذَجُ الرَّسْمِي لِلأنا ** بـأَنْــــوارِهِ اللّاتي سَبَتْ إذْ تَجَلَّتِ
64. بآدَم مَــجْــــلَاهُ تَجَـــــلَّى مُحـــــيّاهُ ** فـَـسَلَّمَتِ العَلْــيَــا سُجُـودًا لِبَيْعَةِ
65. وأَنْزَلَهُ الآثـــــارَ كَـــيـــمــا يُعَلِّيـــهِ ** فَيَشْهَــــدَ تَفْصِيــــلًا لِمُجْمَلِ نُقْطَةِ
66. تدلّى بهِ بَعـــــد الـمَنَــابِ خِلافَـةً ** ورَأَّسَـــــهُ حـــتَّى عــلى الأَوَلِّيَّــــةِ
67. وأَلْبَسَـــهُ مِـــن ذّاتِــــهِ وصِــــفاتِــــهِ ** وخَتَّمَــــهُ مِــن دُونِهِــم بالرَّقِــيقَـةِ
68. فـــلا زالتِ العَلْــيَـــا تَدِينُ بِحَـــقِّــــهِ ** وتَخْـدِمُـــــهُ سَخْـــرًا لهُ كــالرَّعِيَّـــةِ
69. وجـــادَ على الأكـوانِ بالدُّرِّ مِدراراً ** فُرُوعــًـا لـــــهُ نراهُمُ كـــالأَصــــالَـةِ
70. مَظاهِرُهُم كــــانَت تَراتِيبُ حِـكمَــِةٍ ** على رَأْسِهِـم أَقْطـابُ دَوْرِ الرِّسالةِ
71. يَنُوبُونَ في التَّبْلِيغِ عنْ أصْلِهِــم طُرًّا *** لأَنَّهُــــمُ الأَدْنى لِـوُثْــقِ العَــلاقَــةِ
72. وبعدَ اسْتِدارِ الدَّهْرِ كالهَيْئَةِ الأُولى ** تَرَقَّــمَتِ الأنْوارُ في رَسْمِ صُورَةِ
73. فـيَــا شُمَّ مَن شــامُـوا وشَمُّوا نِعالَهُ ** فَتِلكَ مُنَى أَجْـبـــاهِ أهلِ النُّبُوةِ
74. وَفـازَتْ بِها أصحابُهُ فَــيــا سَعْــدَهُم ** فَطُوبى لهُم طُـــوبى بتِـــلك المـزيَّةِ
75. تَشَرَّفَـتِ الأَشْــهادُ بَعــــدَ غُيُـوبِــــهِ ** ولا بُــــدَّ لـلآثـارِ مــــنهُ بِــزَوْرَةِ
76. ونَزْلَتُــــهُ الأُوْلى عَلَينـــا تَفَضُّــــلًا ** لِذلِكَ فُـــضِّلْــنـــا على المَلَـكِــيَّـــــةِ
77. تَسَتَّرَ بالــزَيِّ الرِّســــالِيِّ نَـــــازِلًا ** فَـــأَجْمَـــلَ كُــلَّ الكلِّ في قَيدِ بُرْهَةِ
78. وبَعْدَها أَلْقى السِّتْرَ عَــمَّن لا يُبْصِرُ ** وغابَ بِـــغابِ الدَّوْرَةِ الـبَّرْزَخِـــيَّـــةِ
79. لَطــــالَمَـا كــــانُـــوا يَرْقَــبُونَ هِــلالَها ** فَراحَتْ بِهِ الأرْواحُ يَـومَ الـوِّلادَةِ
80. وبالقُبَّةِ الأسمى الَّتي ازْدَانَ طِيْبُــها ** بِهِ عِنـــدَ مَجْلاهُ فَطــابَتْ كَطَيْبَةِ
81. ولكِــنَّـــــهُ في هَـذِهِ ومَـــا قَــبْلَها ** تَقَـدَّسَ عَن رَسْمٍ وعَن كلِّ نَزْلَةِ
82. وبعـــدَ فَنـــاءِ الدّارِ تُجْلى الحقائِقُ ** بِمَعْــــنَى قِــيّـــامِ السّـاعَةِ الأَحْمَدِيّة
83. فَــنُحْشَرَ أَجْـــزاءً إلى كلِّ كُـلِّنا ** عَبِيـــدًا وبَعْــــدَ الأَبْقِ أُبْنَا لِفِطْرَةِ
84. فَيَحْكُمَ فِينا كَيفَ شاءَ ويَنْجَلي اسْـــــ**ــــــــتِوَاءً عَلى العَرْشِ المَجِيـدِ بِسُلْطَةِ
85. كَــمَا يَتَجَلَّى في الجِنانِ بِرِيْـــقِهِ ** فمِـــن سَقْيِّـــهِ زانَتْ وإلاَّ لَشانَتِ
86. وحتَّى على النِيرانِ جلَّ جــــلالُهُ ** وهــــاهُــــنا أَسْرارٌ حَرامُ الكِـتابَةِ
87. ونَزْلَتُهُ العُلْيَـا علينــا كَـــــثِيبُنـــــا ** وتَبْقَى مُــــنــــازالاتُـــهُ دُونَ غــايَةِ
88. تَصَوُّرُهُ مــــا بَينَنَـــــا كَــــيما نَرْتَـــقي ** فَهَدْيُــــهُ ذاتِيٌّ حَـــقِـــيــقُ الـدّلالَةِ
89. وقِــــبْلَتُهُ لِلـــعَـــالَمِــــينَ وَجِــــيْــهـةٌ ** لإنّما حُجْبُ الوَجْهُ مِــنهُ اسْتَمَدَّتي
90. تَجَلّى بِــهِ المولى عَلينا لِنَشْهَــــدَهْ ** كَـــعَيِّنَــــةٍ لِلـحَضْــــرَةِ الأَزَلِـــيَّــــةِ
91. فَــــلا بـــائِــنٌ عنهُ ولَيسَ سِوًى ولا ** وُجُــودُهُ غَـيرٌ عِندَ أهلِ الحَقِيقة
92. فكلُّ الّذي فَصَّلْتُ فِيكَ مُجَمَّلٌ ** أَيَا جــاهِـــلًا ياظــالِمًـــا لِلأمــانَةِ
93. فــــيَــــا أيّـها الأُنْمُــوذَجُ الْمُـــتَرَقِّــمُ ** أَلَا إنَّك المقْصُودُ في ذِي القَصِيدَةِ
94. تَبَـصَّرْ لِــــكَــــيْمَا تَنْتَهِضْ بِكَ هِمَّــةٌ ** فَحَـتَّى السُّلُوكُ رَهْـنُ فَتْحِ البَّصِيرَةِ
95. فإِنْ رُمْتَ تَحْــقِيقًا فَكُــن مُـتَعَلِّقًا ** وَدُونَك فَـالْثَـمْ تُرْبَ نَعْلِ الأَحِبَّةِ
96. فَحَضْرَتُهُ حِـصْنٌ مِنَ البَيْنِ عاصِمٌ ** تَوَلَّـــــه بِـــهِ حَـــتَّى فَــنَــاءِ الأَنِيَّـــةِ
97. وإلّا فَــــلا وَصْــلٌ تَراهُ بِــــدُونِــــهِ ** فمـــاذَا بُعَيــدَ الحَـقِّ إلّا الضَّـــلالَةِ
98. ولَا تَبْتَعِــدْ قَصْـــدًا فَفِيكَ الْمُــؤَمَّلُ ** وُلُــوجًا إلَيكَ سَالِكــــا لَا بِعَرْجَـةِ
99. خُلُوّا عَنِ الأغيارِ والنَّفْسِ فَــانِيّا ** لِكَي يَنْجَلِي مِـن باطِنِ نُورُ جَلْوَةِ
100. وبَعــــدَ الفَنـــاءِ فِــيـــهِ تَبْقَى محمّـــدًا ** فَتَتَّحِـدَ الأوْصافُ والذّاتُ بالذّاتِ
101. لَـهَــــذا هُوَ التّوحِيدُ فارْعَى شُهُودَهُ ** فَـوِحْـــدَتُهُ لَا تُبْقِي بَينَ شَراكَتِي
102. وَفِي حَضْرَةِ الإِحْسانِ هاهُنا مَشْهَدٌ ** كَعَينِ يَقِــينٍ دُونَ تِلكَ الدّقِيقَةِ
103. ففِيهِ كَـــــثِيبُ العـاشِـقِـــينَ تَعَلُّلًا ** إلى أنْ تَحِلَّ بَعدُ كُبْرَى السَّعادَةِ
104. حَـــقِيقَتُــــهُ غــــابَتْ عَلَينـــا تَفَضُّلًا ** فَلَو بَرَقَتْ دَكَّتْ وُجُـودَ الخَلِيقَةِ
105. وفي الكُــثْبِ لَمّا لا فَنـــاءَ يَـــذُودُنـــا ** يَجُـــوزُ لنــا رُؤيـــاهـــا لِــــلأبَـــدِيَّـةِ
106. بِعَيْنَيْــــهِ مَـــشْهُودٌ فَمـا غَـــيْرُه يَرَى ** لِعِزَّةِ وَجْـــهِ اللهِ ذِي الأَحَــدِيَّةِ
107. أَيَــــا مَحْتِــــدَ الأكـوانِ بَلْ وَيا قلبَهــا ** ويا لَازِمَ الإِمْكــــــانِ بـالوَاحِــديّة
108. ويا رُوْحَ أَرْواحِ الوَرى وَحَـيَاتَهُم ** صِلِ الرُّوحَ مِن عَينِ الحَيَاةِ بِنَفْحَةِ
109. فَغَوثًا بِسِرِّ النَّعْلِ رُوْحِي فِــدائُها ** وسَيِّــدِنـــا يَعْفُــورِ عَرْشِ الجَلالَةِ
110. مِـــدادًا بــأنْـــوارِ التَّعَلُّقِ مِــــنهُــمُ ** لِنَحْيَا بِوَقْفٍ فِيكَ دُونَ نِهايَــــــــةِ