تقول : « الإنسان الكامل [عند ابن عربي] : هو الحد الجامع الفاصل
بين الحق
والعالم ، فهو يجمع من ناحية بين
الصورتين ، يظهر بالأسماء الإلهية فيكون حقاً ، ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقاً
، وهو يفصل من ناحية أخرى بين وجهي الحقيقة فيمنع الخلق من عودة الاندراج في الغيب
الذي ظهر منه ، إنه حد بين الظاهر والباطن ، يمنع الظاهر من اندراجه في البطون ...
فهو علة وجود العالم والحافظ له ...
وهو المشكاة التي يستمد من خلالها كل عارف معرفته ، وكل عالم علمه
، حتى الأنبياء ، فهو الممد للهمم ، وكما هو برزخ بين الحق والخلق في الوجود كذلك
هو برزخ بينهما في العلم والمعرفة » .
1. « الإنسان الكامل أقامه الله برزخاً بين الحق والعالم ».
2. « الإنسان الكامل : الجامع حقائق العالم وصورة الحق سبحانه » .
3. « ما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل » .
4. « في الإنسان قوة كل موجود في العالم ، فله جميع المراتب ولهذا
اختص وحده بالصورة ، فجمع بين الحقائق الإلهية وهي الأسماء وحقائق العالم ... فكل
ما سوى الإنسان خلق ، إلا الإنسان فإنه خلق وحق ، فالإنسان الكامل هو على الحقيقة
الحق المخلوق به ، أي المخلوق بسببه العالم » .
5. « إن الإنسان الكامل لا يبقى له في الحضرة الإلهية إسم إلا وهو
حامل له »
.
6. « ( الإنسان الكامل ) : الكلمة الجامعة ، وأعطاه الله من القوة
بحيث أنه ينظر من النظرة الواحدة إلى الحضرتين فيتلقى من الحق ويلقي إلى الخلق » .
إن عبارة ( الإنسان الكامل ) مؤلفة من لفظين ، وقد سبق لنا إيضاح
لفظة
( إنسان ) في فكر الشيخ ، أما ( كامل
) فليس لها أي معنى خلقي على الإطلاق بل تفيد :
1. تمام الشمولية للصفات كافة ، دون النظر إلى تصنيفها الخلقي من
خير أو شر ، فللكمال هنا معنى وجودي ، أي وجود جميع الصفات الإلهية والكونية أو
قابلية وجودها في الإنسان وليس خلقياً ، إذن إنسان كامل في وجوده .
2. كمال المعرفة بالنفس وبالله ، فالإنسان الكامل هو من أدرك في
مرحلة من مراحل كشفه وحدته الذاتية بالحق ووصل من تحققه هذا إلى كمال المعرفة
بنفسه وبالله ، إذن إنسان كامل في معرفته .
ويجب أن ننبه هنا دفعاً لكل التباس إلى أن المقصود بالإنسان الكامل
هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم
يختلط على دارسي ابن عربي عبارة أكثر من هذه ؛ لأن ابن عربي نفسه يستعملها أحياناً للكلام على الحقيقة المحمدية
، وأحياناً ليعبر عن آدم أو عن الكامل من الرجال أمثال أبي يزيد وغيرهم .
إذن من هو الإنسان الكامل بين هؤلاء ؟
وهل تعني هذه العبارة جنساً يضم بين حناياه الكثير من الأفراد ؟
أم هي اسم لحقيقة واحدة متميزة ؟
إن الإنسان الكامل هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بعبارة أخرى : الحقيقة المحمدية ، ولكن
هذه الحقيقة قطب يدور في فلكه دائماً كل طالب للكمال ، فلا يزال يدور ، أي يتحقق
بالصفات المحمدية ، ويدور … وفي دورانه يصغر قطر الدائرة ويصغر ، ويتحقق الطالب
بوحدته الذاتية مع مركز الدائرة ، أي الحقيقة المحمدية ، وهنا في تحققه يطلق عليه
اسم من تحقق به ، أي اسم الإنسان الكامل .
فعبارة ( الإنسان الكامل ) هي لصاحبها أي : سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم ، ويصح أن نطلقها على المتحققين
به الفانين ، لأنهم أصبحوا عينه ( الصفاتية ) ، فهي أصلاً لصاحبها الذي خلق
إنساناً كاملاً ، وهي تحققاً لأكمل الرجال الذين جاهدوا في سلوك طريقها .