( الإنسان الكامل عند الشيخ الأكبر )

الدكتورة سعاد الحكيم " حفظها الله "
تقول : « الإنسان الكامل [عند ابن عربي] : هو الحد الجامع الفاصل بين الحق والعالم ، فهو يجمع من ناحية بين الصورتين ، يظهر بالأسماء الإلهية فيكون حقاً ، ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقاً ، وهو يفصل من ناحية أخرى بين وجهي الحقيقة فيمنع الخلق من عودة الاندراج في الغيب الذي ظهر منه ، إنه حد بين الظاهر والباطن ، يمنع الظاهر من اندراجه في البطون ... فهو علة وجود العالم والحافظ له ...
وهو المشكاة التي يستمد من خلالها كل عارف معرفته ، وكل عالم علمه ، حتى الأنبياء ، فهو الممد للهمم ، وكما هو برزخ بين الحق والخلق في الوجود كذلك هو برزخ بينهما في العلم والمعرفة » .
وقد استنبطت الدكتورة هذا التعريف المختصر للإنسان الكامل من نصوص الشيخ التالية :
1. « الإنسان الكامل أقامه الله برزخاً بين الحق والعالم ».
2. « الإنسان الكامل : الجامع حقائق العالم وصورة الحق سبحانه » .
3. « ما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل » .
4. « في الإنسان قوة كل موجود في العالم ، فله جميع المراتب ولهذا اختص وحده بالصورة ، فجمع بين الحقائق الإلهية وهي الأسماء وحقائق العالم ... فكل ما سوى الإنسان خلق ، إلا الإنسان فإنه خلق وحق ، فالإنسان الكامل هو على الحقيقة الحق المخلوق به ، أي المخلوق بسببه العالم » .
5. « إن الإنسان الكامل لا يبقى له في الحضرة الإلهية إسم إلا وهو حامل له » .
6. « ( الإنسان الكامل ) : الكلمة الجامعة ، وأعطاه الله من القوة بحيث أنه ينظر من النظرة الواحدة إلى الحضرتين فيتلقى من الحق ويلقي إلى الخلق » .

وتضيف الدكتورة حفظها الله :
إن عبارة ( الإنسان الكامل ) مؤلفة من لفظين ، وقد سبق لنا إيضاح لفظة ( إنسان ) في فكر الشيخ ، أما ( كامل ) فليس لها أي معنى خلقي على الإطلاق بل تفيد :
1. تمام الشمولية للصفات كافة ، دون النظر إلى تصنيفها الخلقي من خير أو شر ، فللكمال هنا معنى وجودي ، أي وجود جميع الصفات الإلهية والكونية أو قابلية وجودها في الإنسان وليس خلقياً ، إذن إنسان كامل في وجوده .
2. كمال المعرفة بالنفس وبالله ، فالإنسان الكامل هو من أدرك في مرحلة من مراحل كشفه وحدته الذاتية بالحق ووصل من تحققه هذا إلى كمال المعرفة بنفسه وبالله ، إذن إنسان كامل في معرفته .
ويجب أن ننبه هنا دفعاً لكل التباس إلى أن المقصود بالإنسان الكامل هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  ، ولم يختلط على دارسي ابن عربي عبارة أكثر من هذه ؛ لأن ابن عربي نفسه يستعملها أحياناً للكلام على الحقيقة المحمدية ، وأحياناً ليعبر عن آدم أو عن الكامل من الرجال أمثال أبي يزيد وغيرهم .
إذن من هو الإنسان الكامل بين هؤلاء ؟
وهل تعني هذه العبارة جنساً يضم بين حناياه الكثير من الأفراد ؟
أم هي اسم لحقيقة واحدة متميزة ؟
إن الإنسان الكامل هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  ، أو بعبارة أخرى : الحقيقة المحمدية ، ولكن هذه الحقيقة قطب يدور في فلكه دائماً كل طالب للكمال ، فلا يزال يدور ، أي يتحقق بالصفات المحمدية  ، ويدور … وفي دورانه يصغر قطر الدائرة ويصغر ، ويتحقق الطالب بوحدته الذاتية مع مركز الدائرة ، أي الحقيقة المحمدية ، وهنا في تحققه يطلق عليه اسم من تحقق به ، أي اسم الإنسان الكامل .
فعبارة ( الإنسان الكامل ) هي لصاحبها أي : سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  ، ويصح أن نطلقها على المتحققين به الفانين ، لأنهم أصبحوا عينه ( الصفاتية ) ، فهي أصلاً لصاحبها الذي خلق إنساناً كاملاً ، وهي تحققاً لأكمل الرجال الذين جاهدوا في سلوك طريقها .