(الحقيقة المحمدية) عند الشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سرّه

تقول الدكتورة سعاد الحكيم حفظها الله :
الحقيقة المحمدية  : هي أكمل مجلى خلقي ظهر فيه الحق ، بل هي الإنسان الكامل بأخص معانية . وإن كان كل موجود [عند ابن عربي ] هو مجلىً خاصاً لاسم إلهي ، فإن  سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلّم   قد انفرد بأنه مجلى للاسم الجامع ، وهو الاسم الأعظم ( الله ) ولذلك كانت له مرتبة الجمعية المطلقة ، وللحقيقة المحمدية ، التي هي أول التعينات عدة وظائف ينسبها إليها الشيخ الأكبر :
1. من ناحية صلتها بالعالم : الحقيقة المحمدية  هي مبدأ خلق العالم وأصله من حيث أنها النور الذي خلقه الله قبل كل شيء ، وخلق منه كل شيء ( حديث جابر ) ، وهي أول مرحلة من مراحل التنـزل الإلهي في صور الوجود ، وهي من هذه الناحية صورة ( حقيقة الحقائق ) .
2. من ناحية صلتها بالإنسان : يعتبر ابن عربي ، الحقيقة المحمدية  : منتهى غايات الكمال الإنساني ، فهي الصورة الكاملة للإنسان الكامل الذي يجمع في نفسه حقائق الوجود
3. من الناحية الصوفية : هي المشكاة التي يستقي منها جميع الأنبياء والأولياء العلم الباطن .
من حيث أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلّم  له حقيقة الختم ( خاتم الأنبياء ) ، فهو يقف بين الحق والخلق ، يقبل على الأول مستمداً للعلم منقلباً إلى الآخر ممداً له ، وسنثبت ما تقدم بنصوص ابن عربي كما تعودنا ذلك ، يقول :
« ... بدء الخلق الهباء ، وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية ، ولا أين يحصرها لعدم التحيز .
ومم وجد ؟ من الحقيقة المعلومة التي لا تتصف بالوجود ولا بالعدم (حقيقة الحقائق )
وفيم وجد ؟ في الهباء …
ولِمَ وجد ؟ لإظهار الحقائق الإلهية … » .
« فلما أراد ( الحق ) وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه ، انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل ، من تجليات التنـزيه ، إلى الحقيقة الكلية ( حقيقة الحقائق ) انفعل عنها حقيقة تسمى : الهباء … ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور ، وهذا هو أول موجود في العالم … ثم أنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء ... والعالم فيه القوة والصلاحية ، فقبل منه تعالى كل شيء في ذلك الهباء ، على حسب قوته واستعداده كما تقبل زوايا البيت نور السراج … فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم المسماة بالعقل ، فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود ، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية ، وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه » .
يظهر من النص الأخير أن الحقيقة المحمدية  أول ظاهر في الوجود ، وإن كان وجودها عن الهباء وحقيقة الحقائق ، فالأول ، أي الهباء حقيقة معقولة غير موجودة في الظاهر .
والثانية : أي حقيقة الحقائق لا تتصف بالوجود ولا بالعدم .
إذن ، يتبقى أن ( الحقيقة المحمدية ) هي أول موجود ظهر في الكون ، ومن تجليه ظهر العالم  ، وإن العلاقة بين الحقيقة المحمدية  وبين أي نبي من الأنبياء تختلف تمام الاختلاف عن العلاقة بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلّم ، فالحقيقة المحمدية  التي هي النور المحمدي  والتي لها أسبقية الوجود على النشأة الجسدية المحمدية . لها ظهور في كل نبي بوجه من الوجوه ( نواب سيدنا محمد : مظهر الحقيقة العيسوية من الحقيقة المحمدية ، والحقيقة الموسوية من الحقيقة المحمدية  إلا أن مظهرها الذاتي التام واحد ، هو شخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم  ، ولذلك يستعملها ابن عربي دون فصل بل على الترادف : فكثيراً ما يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم  وهو يقصد ( الحقيقة المحمدية  وهذا لا يكون لغيره من الأنبياء » .