للإمام الحسين بن منصور قدس الله سرّه :
أفهام الخلائق لا تتعلق بالحقيقة ، والحقيقةُ لا
تتعلقُ بالخليقة ، الخواطرُ علائق ، وعلائقُ الخلائق لا تصل إلى الحقائق ،
والإدراكُ إلى علم الحقيقة صعب ، فكيف إلى حقيقة الحقيقة ؟ وحق الحق وراء
الحقيقة ، والحقيقةُ دون الحق .
الفراشُ يطيرُ حول المصباحِ إلى الصباح ِ، ويعود
إلى الأشكال ، فيخبرهم عن الحال بألطف مقال ، ثم يمرح بالدلال طمعاً في الوصال إلى
الكمال ، ضوءُ المصباحِ علم الحقيقة ، وحرارته حقيقة الحقيقة ، والوصول إليه حقُ
الحقيقة ، لم يرض بضوئهِ وحرارته فيلقي جملتهُ فيه ، والأشكالِ ينتظرون قدومهُ
،فيخبرهم عن النظر حين لم لم يرض بالخبر ، فحينئذٍ يصير متلاشياً متصاغراً
متطائراً ، فيبقى بلا رسمٍ وجسمٍ وإسمٍ ووسمٍ ،فلأي معنىً يعود إلى الأشكال ، وبأي
حالٍ بعد ما حاز ؟ صار من وصلٍ ، وصار إلى النظر ، استغنى عن الخبر ،
ومن وصلٍ إلى المنظور إستغنى عن النظر ، لا تصحُ
هذه المعاني : للمتواني ، ولا الفاني ولا الجاني ولا لمن يطلب الأماني ، كأني كأني
، و كأني هو،
أو هو أني ، لا توق عني إن كنت أني .
يا أيها الظانّ ، لا تحسب أني أنا الآن ، أو يكون
أو كان ، يا رب لا تظن أنني أنا ، أو أكون أو كنت ، إلا أنني العارف المتجلد ،
وهذا هو حالي غير نزيه ، إن كنت له لست أنا هو .
إن كنت تفهم فافهم ، ما صحت هذه المعاني لأحدٍ
سوى لأحمد ، ما كان محمدٌ أبا أحد ، حين جاوز الكونين وغاب عن الثقلين ، وغمض
العين عن الأين ؟ ، حتى لم يبقى لهُ رينٌ ولا بين ، فكان قاب قوسين ، حين وصل إلى
مفازةِ علم الحقيقة : أخبر عن السواد ، وحين وصل إلى حقيقة الحقيقه : أخبر عن
الفؤاد ، وحين وصل إلى حق الحقيقة : ترك المراد ؛ واستسلم للجواد ، وحين وصل إلى
الحق عاد فقال : سجد لك سوادي وآمن بك فؤادي ؛ وحين وصل إلى الغايات قال : لا أحصي
ثناءً عليك ، وحين وصل إلى حقيقة الحقيقة قال : أنت كما أثنيت على نفسك ؛ جحد
الهوى فلحق المنى ؛ ما كذّب الفؤاد ما رأى ؛ عند سدرة المنتهى ؛ما التفت يميناً
إلى الحقيقة ؛ ولا شمالاً إلى حقيقة الحقيقة ؛ ما زاغ البصرُ وما طغى .