فى معرفة أن سيدنا
محمداً صلى الله عليه وسلم هو النسبة التى بين الله وعبده :
قال الله تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) فاعلم أن هذه الرحمة هى
التى عمَّت الموجودات جميعها، وإليه الإشارة فى قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ
كُلَّ شَيْءٍ) يعنى أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو الواسع لكل ما يطلق
عليه اسم الشيء من الأمور الحقية والأمور الخلقية. ولأجل ذلك ذكر تعالى فى آخر
الآية فقال: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ) تنبيهاً على أن من اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم فى
مقامه المخصوص به دون سائر الإنسان، فسوف يلحق بمقامه، وهو قوله: (فَسَأَكْتُبُهَا
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أى: يصيرون رحمة.
علم أن الرحمة
رحمتان: رحمة خاصة، ورحمة عامة.
فالرحمة الخاصة:
هى التى يدرك الله بها عباده فى أوقات مخصوصة.
والرحمة العامة:
هى حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم، وبها رحم الله تعالى حقائق الأشياء كلها، فظهر
كل شئ فى مرتبته من الوجود، وبها استعدت قوابل الموجودات لقبول الفيض والجود.
فلذلك: أول ما
خلق الله روح محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد فى حديث جابر رضى الله عنه، ليرحم
به الموجودات الكونية فيخلقها على نسخته، ويستخرجها من نشأته. فخلق منه العرش،
والكرسى، وسائر العلويات والسفليات لتكون مرحومة به، إذ هى من نشأته الكريمة
مخلوقة على أُنموذج نسخته العظيمة.
ولذلك سبقت رحمة الله تعالى غضبه، لأن العالم كله
نسخة الحبيب والحبيب مرحوم، فحكم الرحمة فى الوجود لازم وحكم الغضب عارض. لأن
الرحمة من صفات الذات والغضب من صفات العدل، والعدل فعل. وفرق كبير بين صفات الذات
وبين صفات الفعل.
ولذلك المعنى
تسمّى الله بالرحمن الرحيم، ولم يتسَّم بالغضبان ولا بالغضوب، وجاز أن تقول: أن
الله لم يزل رحيماً ولم يجز أن يقال: إن الله لم يزل غضباناً، ولا غضوباً على
الإطلاق. وسرُّ ذلك كله إنما هو سبق الرحمة الغضب لكون الوجود للحبيب كالمرآة
للصورة، أو كالصفة للذات، أو كالبعض بالنسبة إلى الكل، فعمت الرحمة جميع الموجودات
بسببه صلى الله عليه وسلم.
حَظِيتْ بِكَ
الأكْوَانُ يَا خَيْرَ الوَرَى ... ... وَكَذّا الفُرُوعُ بِأَصْلِهِنَّ تَطِيبُ
أنْت الحَبِيبُ
وَكُلُّها لَكَ نُسْخَةٌ ... ... ... وَجَمِيعُ مَا هُوَ لِلحَبيب حَبِيبُ