( الحقيقة المحمدية ) : هي المديرة المحيطة بجميع أجزاء داخلها ،
وهي أول ظهور في مرتبة الوحدة ، وأول أصل من أصول الوجود ، أبرزتها يد الربوبية
إفضالاً، وجعلتها وقاية لما في داخلها من الاحتراق بسبحات الجلال ، وهي الحجاب
الأعظم الثاني بين الحق والخلق. والحجاب الأول سطوة أنوار الجلال وبهاء الجمال.
وهي منبت الخلائق ومنبعها ومفرعها ، ومكسب سعادة وجودها وإمدادها ، والحافظة لنظام
بقائها ونعيمها ، ومركز سراية تجليات صفات وأسماء وقدرة ربها. وهي اقتطاع من النور
المكرم ، وهي عين الإمكان تمد الوجود وجوداً والعدم خفاءاً وظلمة .
وهي الرحمة المتنوعة الى رحمتين: عامة وخاصة (فالعامة) رحمة الإيجاد والإمداد
بالتنمية رزقاً وأطواراً ، فهي السبب لكل تجلٍ إلهي مناسب لأهل الدنيا والبرزخ
والآخرة ، مسلمين أوكافرين (والثانية) مختصة بأهل الخصوصية من قلوب العارفين من
الأنبياء والأولياء والملائكة ، وهي التي توقفهم بين يدي ربهم وتمدّهم بالمعرفة
والسعادة الأبدية وإفاضة الفيوضات الأقدسية ، بحيث لا يصل أحدٌ إلى نيل شيء من
ذرات السعادة إلا منه ، وهو عين الوساطة البارزة لترتيب المملكة الربانية لا غير.
(
الحقيقة المحمدية ) : هي حضرة الإمكان ، وهو ما يتصور في العقل وجوده وعدمه على حد سواء لذاته ،
فلم يرد الله أن يخلق صورة أكمل من صورة الإمكان، وهو عين الحقيقة المحمدية ،
مرآة مراتب الحق جل وعلا ، ومنها أبرز جل وعلا جميع ما سبق في علمه أنه يوجده من
أجرام وأعراض الدنيا والآخرة ، وجعلها روحاً سارياً في ذرات الخلق سراية الماء من
عروق الشجرة إلى أغصانها ، ورحمة رحمة الوالدة لأعز أولادها ، وأصلاً أصل الماء
للنبات ، ومقراً قرار الماء في الكوز ، وعزاً عز الابن بأبيه. وهي أول التعينات في
بحر العمى والطمس. والعمى في اللغة السحاب بين الأرض والشمس ، فإذا رأيته حاجباً
لقرص الشمس وإذا انغمست فيه لم تره ولا الشمس ولا قدرة على جوازه ، وإنما يزيد
الإحساس بالحرارة، وهي افتتاح الوجود واختتامه، وقوامه وعينه، وبقاؤه وعمدته،
وحفظه ومظله وجنته وجنته. ومن عينيتها ظهرت عيون لقلوب الأولياء وأودية لقلوب
الأنبياء والعارفين وبحور لطينة جثمانيتها التي هي آخر أطوارها ، فإنه تفضلت يد
القدرة والإرادة على حسب العلم المنكشف بالحياة بالعين الأول من الحوادث ألبسها
إلباسا أرادها فيها تنزلاً لإبراز الحكمة المكنونة في صدفية بطونها فصارت (روحاً)،
وألبسها إلباساً أرادها وهي غاية ما يدرك الأنبياء والصديقون، فتنزل نورها فصارت
(عقلاً)، فألبسها إلباس التنزل، أرادها منها حكمة فصارت (قلباً) ، فألبسها إلباس
التنزل فصارت (نفسا)ً ، ومن النفس أبرز جل وعلا طينته صلى الله عليه وسلم ، فسقاها
جل وعلا ما انفرد الله بعلمه ، فخلق من خميرة طينته (الصورة الآدمية) ، وهي أفضل
صورة ، والصورة الملكية والجنية ، ومن روحه أرواح العارفين، ومن عقله عقول
العقلاء، ومن قلبه قلوب الكمّل، ومن نفسه نفس الأوابين، فكلٌ يعمل على حسب شاكلته
في مراتبه .
ثم إن جميع ما برز من الأمكنة والأزمنة والأجرام والأعراض مندرج في الحقيقة
المحمدية، وليست هي مندرجة في شيء ، بل هي الأب الأول ، أبرزها إيجاداً جل وعلا
زمن لا زمان ولا مكان ، وهي التي أعبر عنها ببيضة الوجود ، وهي في عمى لا فوق ولا
تحت ولا جهة ، وهي الجوهرة بلا حيز ولا فراغ ، أمسكها الحق لنفسه في عمى، وهي مكان
لكل متحيز وزمانه ولا مكان لها ولا زمان، بل انطمست الأبصار والبصائر دونها،
فلم يخلق الله ولا أراد أن يخلق من يعرفها ولا كيفية سجودها لربها، اختص من أبدعها
بها، واختصت به، فتعالت حقيقتها عن الاندراج في عقال العقل .