قال العارف بالله الكاشاني قدّس الله سرّه في تفسيره :
(والنَّجم إذا هوى ) أقسم بالنفس المحمدية إذا فنيت وغربت عن محل الظهور وسقطت عن درجة
الاعتبار في الظهور والحضور ( ما ضلّ صاحبكم ) بالوقوف مع النفس والانحراف عن المقصد الأقصى بالميل لها )وما غوى ( بالاحتجاب بالصفات
والوقوف معها في مقام القلب ( وما ينطق عن الهوى ) بظهور صفة النفس في التلوين ) إن هو إلاَّ وحي يوحى (إليه من وقت وصوله إلى أفق القلب الذي هو سماء الروح إلى انتهائه
إلى الأفق الأعلى الذي هو نهاية مقام الروح المبين ) علّمه ( روح القدس الذي هو ( شديد القوى ) قاهر لما تحته من المراتب مؤثر فيها تأثيراً قوياً ) ذو مرّة ( ذو متانة وإحكام في
علمه لا يمكن تغيره ونسيانه (فاسْتوى ( فاستقام على صورته الذاتية والنبي بالأفق الأعلى لأنه حين كون
النبي بالأفق المبين لا ينزل على صورته لاستحالة تشكل الروح المجرد في مقام القلب
إلا بصورة تناسب الصور المتمثلة في مقامه ولهذا كان يتمثل بصورة دحية الكلبي وكان
من أحسن الناس صورة وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لو لم يتمثل
بصورة يمكن انطباعها في الصدر لم يفهم القلب كلامه ولم ير صورته. وأما صورته الحقيقية التي جبل عليها فلم تظهر للنبي عليه السلام
إلا مرتين عند عروجه إلى الحضرة الأحدية ووصوله بمقام الروح في الترقي وعند نزوله
عنها ورجوعه إلى المقام الأول عند سدرة المنتهى في التدلي.
(ثم دنا ( رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله وترقى عن مقام جبريل
بالفناء في الوحدة والترقي عن مقام الروح، وفي هذا المقام قال جبريل عليه السلام : " لو دنوت أنملة
لاحترقت
" ، إذ وراء مقامه ليس إلا الفناء في الذات والاحتراق بالسبحات ( فتدلى ) أي: مال إلى الجهة الإنسية بالرجوع من الحق إلى الخلق حال البقاء
بعد الفناء والوجود الموهوب الحقاني ( فكان قاب قوسين ) أي: كان عليه السلام مقدار دائرة الوجود الشاملة للكل المنقسمة بخط
موهوم إلى قوسين باعتبار الحق والخلق، والاعتبار هو الخط الموهوم القاسم للدائرة
إلى نصفين. فباعتبار البداية والتداني يكون الخلق هو القوس الأول الحاجب للهوية في
أعيان المخلوقات وصورها والحق هو النصف الأخير الذي يقرب منه شيئاً فشيئاً وينمحي
ويفنى فيه، وباعتبار النهاية والتدلي فالحق هو القوس الأول الثابت على حاله أزلاً
وأبداً والخلق هو القوس الأخير الذي يحدث بعد الفناء بالوجود الجديد الذي وهب له ) أو أدنى ( من مقدار القوسين بارتفاع الإثنينية الفاصلة الموهمة لاتصال أحد
القوسين بالآخرة وتحقق الوحدة الحقيقية في عين الكثرة بحيث تضمحل الكثرة فيها
وتبقى الدائرة غير منقسمه بالحقيقة أحدية الذات والصفات.
( فأوحى إلى عبده ) في مقام الوحدة بلا واسطة جبريل عليه السلام (ما أوحى ) من الأسرار الإلهية التي لا يجوز كشفها إلاّ لصاحب النبوّة ( ما كذَبَ الفؤاد ما رأى ) في مقام الجمع والفؤاد هو القلب المترقي إلى مقام الروح في الشهود
المشاهد للذات مع جميع الصفات الموجود بالوجود الحقاني، وهذا الجمع هو جمع الوجود
لا جمع الوحدة الذي لا فؤاد فيه ولا عبد لفناء الكل فيها المسمى باصطلاحهم: عين
جمع الذات، وأما هذا الجمع فيسمى الوجه الباقي أي: الذات الموجودة مع جميع الصفات.
( أفتمارونه ) أفتخاصمونه على شيء لا تفهمونه ولا مكنكم معرفته وتصوّره فكيف
يمكنكم إقامة الحجة عليه؟ وإنما المخاصمة حيث يمكن تصوّر الأمر المختلف فيه ثم
الاحتجاج عليه بالنفي والإثبات فحيث لا تصور فلا مخاصمة حقيقية.
(ولقد رآه ) أي: جبريل في صورته الحقيقية ( نزلة أخرى ( عند الرجوع عن الحق
والنزول إلى مقام الروح ( عند سدرة المنتهى ) قيل: هي شجرة في السماء السابعة ينتهي إليها علم الملائكة ولا يعلم
أحد ما وراءها وهي نهاية مراتب الجنة يأوي إليها أرواح الشهداء فهي الروح الأعظم
الذي لا تعين وراءها ولا مرتبة ولا شيء فوقها إلا الهوية المحضة، فلهذا نزل عندها
وقت الرجوع عن الفناء المحض إلى البقاء ورأى عندها جبريل عليه السلام على صورته
التي جبل عليها ( عندها جنة المأوى ) التي يأوي إليها أرواح المقرّبين.
)إذ يغشى السّدرة ( من جلال الله وعظمته ) ما يغشى( لأنه صلى الله عليه وسلم كان
يراها عند تحققه بالوجود الحقاني بعين الله فرأى الحق متجلياً في صورتها، فقد غشي
السدرة من التجلي الإلهي ما سترها وأفناها فرآها بعين الفناء لم يحتجب بها
وبصورتها ولا بجبريل وحقيقته عن الحق، ولهذا قال: (ما زاغ البصر ) بالالتفات إلى الغير ورؤيته (وما طغى ) بالنظر إلى نفسه واحتجابه بالأنائية) لقد رأى من آيات ربّه الكبرى ( أي: الصفة
الرحمانية الذي يندرج فيها جميع الصفات بتجليه تعالى فيها بل حضرة الاسم الأعظم
الذي هو الذات مع جميع الصفات المعبر عنه بلفظة الله في عين جمع الوجود، بحيث لم
يحتجب عن الذات بالصفات ولا بالصفات عن الذات. انتهى من تفسير الكاشاني.