( العجز عن الكنه )



 قال السيد الكتاني قدس الله سرّه :
إذا بدلت صفات الهياكل الظلمانية بانبعاث أشعة إطلاقية نورانية بحيث وصل إلى مقام: كنته على سبيل التحقيق ، هل يصح له إدراك كنه بحتية صرافة الأحمدية أم لا؟
قلت: هذا أمر توارى العلم به بحجب أنافت على الحصر والتعداد إذ هو صلى الله عليه وسلم نسخة الوجود المطلق، ولا يتم له اسم الخلافة إلا بإفراغ جميع حلل الأسماء والصفات الذاتية عليه، أعني بحيث يصير ذلك خلقا له على سبيل السرمدية. بل نقول نحن: تخلق أيضا حتى بالاسم الأحد وباسم الهوية. إذ لما تخلق بهذا الاسم صار مجهولا أعني على سبيل اللونية، وباسم الغني عن العالمين كما بسطته في ختمة الأجرومية. هذا الحق عند الله فانظرها.
وعن هذا الذوق أفصحت الصديقية العظمى لما سئلت كيف كان خلقه صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن، قلت: والمراد بالقرآن هاهنا الجمع المعبر عنه بأحدية الكل الجمعي، وجميع التعينات هاهنا بحكم البطون الحكمي لا العيني على ما هو الحق عندنا، فتكون الأحدية استوت بصرافتها على جميع الشؤون والمقتضيات. وهاهنا ترجم الروح الكلي حيث قال:
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا أحمد المتردي بأردية الكبرياء وأشعة الفردانية، الملثم بمعاني عظمة سرادقات غيب الهوية، المتأحد في عين الكثرة، المتكثر في عين الوحدة، الملتحف بوحدات الذات، المستوي بقدم الأحدية على عرش الصفات، المثنى عليه بلسان جمع الجمع في مهامه الغارات، على خط قوس لسان الأزلي، بمحو الذات بالذات للذات في الذات. {الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. ملك يوم الدين}. خط الدائرة ونقطة البروج، دفتر المثاني وقهرمان العروج، العبد الحقاني، المنفرد بليس كمثله شيء الأحد الثاني، المتلو عليه بلسان الجمع في حضرات جمع جمعه: {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم}. {هيهات هيهات وما يعقلها إلا العالمون}. وآله وصحبه وسلم.
فاستواءه على ما ذكر حتى صار متخلقا بما دل عليه لفظ القرآن إذ يريدون به الجمع وبالفرقان الفرق هو المعنون بخلقه القرآن، ثم إن هذا أمر لا مرمى دون مرماه، ولا كشف لأحد عن باطن ظاهر محياه، حتى للأنبياء والرسل عليهم من ربهم السلام، فإنما لهم الاطلاع على غيوب ستة، وأما الغيب السابع فانفرد الحق بمعرفته على سبيل الإجمال والتفصيل لما اقتضاه وجوب العلم الذاتي، وهذا المشار له بالروح في الآية المتقدمة وغيرها. ومجموع هذا هو المشار له بقوله صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف".
والمراد بالقرآن هاهنا بطريق مراده صلى الله عليه وسلم: حقيقة الحقائق، أحدية الكل الجمعي المطلق السارية في جميع المقتضيات والتعينات. والمراد بالأحرف الحضرات الواقع فيها الظهور للأثرات الكيانية على سبيل النشر التفصيلي من الكنزية في صرافة البحتية، ثم عين الماهية، ثم غيب الغيب، ثم غيب السر، ثم سر الغيب، ثم العما، ثم الأحدية أعني بحسب التدلي، وفيها ظهور حكمي للأحمدية الصرفة أعني حين كانت في جوهرية العما. وقد أشير لذلك بقول القرآن {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين} تفهم جدا.
فالمراد بالأحرف هاهنا الحضرات الواقع فيها مقتضيات الاسم الظاهر بالنسبة لذاته بذاته، والمراد بالنزول الظهور الحكمي المفضي إلى الانتشار الكلي وأوله الواحدية ثم أمهات الوجود المعلومة المشار لها بقول التنزيل {وعنده مفاتح الغيب} إلى أن انتهى الدور لآخر أمهات الوجود وهي الرحمانية المشار لها بقول الله {ورحمتي وسعت كل شيء} هكذا نختار في معنى الحديث وهو مراده صلى الله عليه وسلم بطريق بواطن غيوباته. ولا نقول كما قال أهل الحديث حتى انتهوا إلى أربعين قولا، كل ذلك من عدم الاطلاع على مراد الإنسان الكامل، وخصوص السبب لا يأبى عموم الحكم تفهم.
ولك أن تقول: المراد بالقرآن مجلى الجناب الأقدس كما في قول الصديقية كان خلقه القرآن، والمراتب المتقدمة كذلك تأتي هاهنا.ولولا تنزله في تلك الحضرات ما عرف له الاسم فأحرى المسمى، ومع تنزله فلا يعرف إلا على قدر الاستغراق والاستهلاك فيه.