هذا النص قاله الشيخ عبد القادر الحمصي قدس
الله سرّه مشافهة أمام الأمير عبد القادر الجزائري قدس الله سرّه :
الْحَمْدُ للّهِ الّذِي أَظْهَرَ
مِنْ بَاطِنِ خَفَاءِ عَمَاءِ لَيْلِ هَوِيَّةِ الأَحَدِيَّةِ، مَطَالِعَ
أَنْوارِ فَجْرِ صُبْحِ حَضْرَةِ الْحَقِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. ثُمَّ سَلَخَ
مِنْهَا جَمِيعَ الْعَالَمِ فَكَانَتْ لِلأَشْيَاءِ فِي نَسَابَةِ آدَمَ، فَرَفَعَ
بِها وَوَضَعَ، وَفَرَّقَ وَجَمَعَ؛ وَقَرَّبَ وَأَبْعَدَ، وَأَشْقَى وَأَسْعَدَ.
فَهِيَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ، الَّتِي لَمْ تَزَلْ رَاجِعَةً لِلأَصْلِ، وَنُقْطَةُ
الشَّكْلِ الَّتِي بِهَا سِرُّ الْوَصْلِ، وَنُونُ الكافِ عِنْدَ أَهْلِ
الأَعْرَافِ؛ قَدِيمَةٌ فِي الْعِلْمِ، حَادِثَةٌ فِي الْجِسْمِ، مَعْناها
الْوُجُودُ، وَمَجْلاها الْحُدُودُ؛ سَارِيَةٌ فِي الأَزْمانِ، كَالشَّمْسِ فِي
الأَكْوَانِ، تَعْدِلُ مَا يَكُونُ وَمَا كَانَ. مَكَّةُ الأَزَلِ دَارُها،
وَمَدِينَةُ الأَبَدِ قَرَارُها؛ خُلاصَةُ الْعِبَارَةِ، الَّتِي نَطَقَتْ بِها
الإِشَارَةُ، مُبَارَكَةٌ عَرَبِيَّةٌ، لا شَرْقِيَّةٌ وَلاَ غَرْبِيَّةٌ؛ يَكَادُ
زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَائِرِ لا
الأَبْصَارِ؛ مُصَانَةٌ عَنْ سِوَاهُ، فِي حَضْرَةِ مَنْ بَرَاهُ. وَلَوْلاَ
نُورُالرِّدَاءِ، لَظَهَرَ سِرُّ الْخَفَاءِ؛ فَحَمَاهَا الْكَمَالُ، مِنَ
تَوْضِيحِ عِلْمِ الْمَآلِ، فَوَضَعَتْهُ بِالرَّمْزِ، بِأَنَّها بَرَزَتْ مِنَ
الْكَنْزِ. وَلَمَّا حَكَمَتِ الرِّسَالَةُ، وَاقْتَرَنَ الاسْمُ بِالجَلاَلَةِ،
وَأَشْرَقَ الْقَمَرُ، عَلى صُورَةِ الْبَشَرِ، ناداهُ القَبُولُ، يا أَيُّها
الرَّسُولُ؛ فَأَقَامَ الدَّلِيلَ، وَأَوْضَحَ السَّبِيلَ، وَأَعْلَنَ بِكَلِمَةِ
التَّوْحِيدِ، فَبَانَ الشَّقِيُّ مِنَ السَّعِيدِ، فَأَرْسَلَتِ الْعَيْنُ،
تُفِيدُ إِلىالثَّقَلَيْنِ، عَلى لِسَانِ الأَمِينِ، بِحَقِّ الْيَقِينِ، (وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) .