** من بطون القرآن **

قال الإمام السّهروردي في [العوارف]:

﴿مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى  "وهذه غامضة من غوامض الادب اختص بها صلى الله عليه وسلم" ثم قررها بما ملخصه: انه صلى الله عليه وسلم لكمال اعتدال قلبه المقدس في الاعراض والاقبال، كان حاله في كلا الطرفين اتم الاحوال. فكما اعرض عن كل ما سوى الله تعالى اتم اعراض واكمله، فكذلك اقبل عليه سبحانه وتعالى احسن اقبال واجمله. فترك صلى الله عليه وسلم في اعراضه الارضين والسموات وما فيهن من وراء ظهره، ولم يزغ بصره، ولا التفت الى شيء مما اعرض عنه. ولا لحقه الاسف عليه في سره ولا جهره، وادرك في اقباله مما ورد عليه في مقام قاب قوسين من المنَح والمواهب والاسرار، مالا تحيط به العقول. ولا تكيفه الافكار. فلم يَطْغَ صلى الله عليه وسلم بالانبساط، ولا اخل بشيء من اداب جلالة البساط. وذلك انه صلى الله عليه وسلم تلقى تلك المواهب التي وردت عليه من حضرة الرب، في خَجَال من حيائه، وخَفارة من ادبه بالروح والقلب. ثم فر من الله تعالى هيبة واجلالا، فطوى نفسه بفراره، في مطاوي انكساره وافتقاره، لئلا تنبسط النفس بالاستغناء، كما قال تعالى ﴿ انَّ الانْسَانَ لَيَطْغَى انْ رَاهُ ﭐسْتَغْنَى. ولا شك ان الانبساط من العبيد، يسد باب المزيد. وهذا الفرار بالنفس على ما وصفناه، هو الفرار من الله الى الله. وهو نهاية الادب. وقد حضي منه صلى الله عليه وسلم بما لم يحظ به احد قبله ولا بعده من اهل الرتب. فدام له من ربه سبحانه وتعالى المزيد ونال منه غاية الارب .اهـ