السيّد
الشّريف الحسني نفعنا الله به
·
في قوله تعالى(يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). وقد أجمع أهل الله تعالى بأنّ أعظم وسيلة ، بل وأوكدها علينا أن
نبتغيها إلى الحق سبحانه، هو حبيبه صلى الله عليه وسلّم وما تنزلت الرّسل عليهم السّلام إلّا ليكونوا وسائل لأممهم .
ونقول لمن
قال بأنّ الوسيلة هي القربة، ومن لنا بالطّاعات لولا الحبيب صلى الله عليه وسلّم أليس نوره صلى الله
عليه وسلّم هومشكاة
الإيمان، الذي منه تتوزّع شبكة الإتّصالات الربّانيّة، الممتدّة على الآفاق
والأنفاق .
ولهذا
سمّي المنزل المحمّدي في الجنّة، بـ (مقام الوسيلة) وكأنّه يجسّد لنا العلّة الغائيّة، حيث أنّه صلى الله عليه وسلّم أعظم وسيلة لغاية الغايات، وهي رؤية وجه الله تعالى في الكثيب،
وهو في غير هذا المقام وسيلة كذلك، ولكن هنا تحقّقت العلّة الغائيّة .
ونقول لمن أجازوا التّوسل بالعمل الصّالح،
ولم يجيزوه بالجاه المحمّدي الشّريف، وماذا تقولون في الشّفاعة العظمى، يوم الهول
الأكبر، فلماذا لم يقل لنا الشّارع الحكيم صلى الله عليه وسلّم توسّلوا بأعمالكم يومئذ، فإنّني لا أغني عنكم من الله شيئا،
ولكن هيهات هيهات، لو لم يشفع ذو الجاه العريض، لن ينفع ولا الأنبياء والرّسل
قرباتهم، فضلا عن عباداتنا نحن الزّائفة.
وهذا هو الفهم الموافق لنظائر هذه الآية في
الكتاب الحكيم، مثل آية ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فإن قوبلت الآيتان سيرى بأنّ أوّلهما متّحد
اللّفظ والمعنى ، وآخرهما من (وَآَمِنُوا
بِرَسُولِهِ) متّحد المعنى متختلف اللّفظ
فقط .
وهكذا هو القرآن المجيد دائما ما يقرن بين حق
الله تعالى، وبين حق نبيّه صلى الله عليه
وسلّم حتّى في
الإيمان الذي هو أعظم من التّوسّل .
·
وفي قوله تعالى (كلاً
نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) والدّلالة هنا تتمركز في كاف
الإتّصال عند قوله ( ربّك)
والضّمير هنا راجع إليه صلى الله عليه
وسلّم ولم يقل سبحانه تماشيّا مع
السّياق (عطاء ربّهم) أو ( من عطائنا) وكأنّه يقول
نمدّ هؤلاء وهؤلاء بواسطتك، وكأنها تناظر قوله تعالى ( سيوتينا الله من فضله ورسوله ) .
·
وفي قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين) أي أنّه واسطة للرّحمن سبحانه،
في رحمة كلّ الخلائق، من بعدما تحقّق صلى الله عليه وسلّم بإسم الله الرّحمن الرّحيم، وهذا هو أساس وساطته صلى الله عليه وسلّم لمّا تحقّق بالأسماء والصّفات، صار واسطة وسيلة بها، يقسّمها
على قوابل البرايا.
·
وفي قوله تعالى (وَكَانُوا
مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا
عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) قال
المفسرون: نزلت في بني قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله
صلى الله عليه وسلّم قبل مبعثه، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة، والمعنى
يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم به على المشركين ، كما روى السّدي أنهم كانوا إذا
اشتد الحرب بينهم وبين المشركين، أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضع ذكر النبي
صلى الله عليه وسلّم وقالوا: اللهم إنا نسألك بحق نبيك صلى الله عليه وسلّم الذي
وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدوّنا؛ فينصرون[1].
· ومنه قوله تعالى (وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا
إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ) تمعّن في
قوله تعالى (وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا
إِنَّهَا قُرْبَةٌ لهم) وقوله سبحانه
(اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) ونقول لجمهور المفسرين الذين قالوا بأنّ الوسيلة هي القربة، لعلّكم
تقصدون قوله سبحانه( أَلا إِنَّهَا
قُرْبَةٌ لهم )، سواء صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلّم أو
صلاته هوصلى الله عليه وسلّم علينا .
·
ومنه قوله تعالى(وَلَوْ أَنَّهُمْ
إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ
لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) وانظر كيف علّق الحقّ سبحانه، قبول التّوبة على قصدنا له صلى الله عليه وسلّم ، وهذا
هو عين الوسيلة .
·
وفي قوله تعالى (وما رميت إذ
رميت ولكنّ الله رمى) وهذه الآية
تحتوي على أسرار عجيبة غريبة، ذكرناها في رسالة المجلى الذّاتي، ووجه دلالتها هنا
تتجلّى في توسّطه صلى الله عليه
وسلّم في الرّمي، من بعدما ما تحقّق
بالمظهريّـة الإلهيّة .
·
ومنه قوله سبحانه وتعالى ( وَلَوْ أَنَّهُمْ
رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ) وانظر
هنا كيف عطف الوساطة النّبويّة، على الإمداد الإلهي، بل وحّد الضّمير ولم يثنّي،
وهو توكيد على واحديّة مظهريّته صلى الله
عليه وسلّم وشتّان بين مظهريّة الذّات
ومظهريّة الأسماء والأفعال .