بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى
الله على سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
ورضي
اللّه عن شيخنا الجّيلاني وعن أتباعه وورثته إلى يوم الدّين
أمّا بعد:
فإنّ من
المسائل العقديّة الشّائكة اليوم، والتي كم زلّت فيها من أفهام وأقلام، قضيّة
إنتقال سيّد الوجود e إلى الرّفيق الأعلى، لما
ينبني عليها من ثوابت إيمانيّة، بالحضرة النّبويّة الشّريفة .
ولقد
نويت أن أجلي الحقيقة من منطلق عرفاني، والحق أحقّ أن يقال، فأدرت البحث حول حديث « اللَّهُمَّ الرفيق
الْأَعْلَى» والذي
يظنّه الكثير أنّه من مهملات الأحاديث، التي لا طائل من دراستها !، ولكنّه نصّ
أساسي تنبني عليه حقائق يقينيّة كبرى، كما سنبيّن إن شاء الله تعالى.
المطلب الأول :
إنّ هذا الحديث من النّصوص المكنونة، والتي أتت مجملة مرمّزة، ولم
يشرحها الشّارع الحكيم e وقد جاء
بروايات متعدّدة تصبّ في مقصد واحد :
ففي صحيح البخاري عن أمّنا عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله e يقول وهو
صحيح: إنّه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخيّر، فلما نزل به ورأسه
على فخذي غشي عليه ساعة، ثم أفاق، فأشخص بصره إلى السقف، ثم قال: " اللهمَّ
الرفيق الأعلى ».
وفي رواية في الصحيح، قَالَ e: « اللَّهُمَّ في الرّفيق الْأَعْلَى» .
وفي مسند أَحْمَدَ فَقَالَ e: « مَعَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى» .
المطلب الثّاني :
لابدّ أن ندرك بأنّ لهذا الحديث خصائص غريبة، تحوّجنا إلى تأويله
منها :
· أنّه آخر ما تكلّم به الحبيب e، ولم
يشرحه ويوضح معناه بعد ذلك، وهذا ما يجعله عرضة للإختلاف والإجتهاد .
· أنّه من أحاديث الكمالات
والخصائص النبويّة، والتي لادخل للإجتهاد الظنّي فيها، لأنّها ليست من قبيل
التّكاليف، ولكنّه من قبيل التّعاريف .
· أنّه آخر ما نطق به e، وإنّ
الأمور بخواتيمها، فكأنّه يحمل رسالة خاصّة، يختم بها مشواره التّعريفي، كما ختم
المشوار التّكليفي بالوصيّة بالصّلاة .
المطلب الثّالث :
ممّا لاشكّ فيه أنّ النّصوص التي تؤسّس لمعرفة
الكمالات المحمّديّة، من سير وشمائل وخصائص وتعلّق..، قد همّشت اليوم وشوّهت، بفعل
أولئك الشّرذمة الوهابيّة الجهلة، ولكن النّور لن ينطفي بالظلام (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى
اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) .
مَدرسَةٌ إنْدَرسَتْ وهُمِّشَتْ
|
وحتّى لو تَدارَسَتْ لَشُوِّهَتْ
|
فبعضُهم يَعُدُّها تَوريخُ
|
وآخر مُسـتَشرقٌ مَسِيخُ
|
وغيرهُم يَكتفِي بالرِّوايَهْ
|
وقَلَّ في السّاحةِ ذُو الدّاريَهْ
|
فمِثْلَمَا نَحتَجُّ بالتّدقِيقِ
|
نحتاجُ للفِقْهِ وللتّحقيقِ
|
نَفْقَهُها كجُملةِ العُلومِ
|
لِنَعـصِرَ المعنى مِن الرُّسُومِ
|
لَكنّما المعرفَةَ الحَقيّه
|
تَختَصُّ بالمداركِ النّقِيَّه
|
كمِ ارتَوى الأقوامُ مِنها رَيّا
|
مِن بعدِما تَجرعُوا الحُميّا
|
ولا يزالُ كنهُهُ كما هُوْ
|
فما تَحقَّقَ بهِ إلاّهُ
|
تأويل " الرّفيق الاعلى"
1)
إنّ الرّفيق الأعلى عند المحققين، هو الله تعالى، لأنّ من أسمائه
سبحانه " الرّفيق" كما جاء في حديث : «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ[1]» والأعلى هو إسم مشهور لله تعالى، فكأنّه يقول؛ اللّهم إنّي أسألك
عنديتك الخاصّة، وهو مايؤكده حديث سيّدنا جبريل u : «يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ» .
2) لم يقل الحبيب e اللّهم
الفردوس ولا ..، مع أنّ الجنّة أعلى ما نطمح إليه، ليؤكد لنا أنّ نعيمه e باللهY وفي اللهY ومع الله Y، وأنّ
مقامه أعلى من أن ينشغل بالجنّة، ولهذا كانت رتبته في الجنان " حضرة الوسيلة
" التي هي شهود صرف لله تعالى، ولهذا جاء في حديث التخيير: «إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ
زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ , فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ[2]» فاختار الله تعالى، ولم يختر الجنّة .
3) وفي إضافة الرّفيق إلى الأعلى،
إشارة إلى أنّ هناك رفيق عالي، ولكنّ رفيقه e أعلى،
وهو الذّات الأقدس، أمّا سواه من المقربين فرفقتهم مع حضرة الصّفات التي يستمدون
منها، وعندية الذّات أعلى من عنديّة الأسماء والصّفات .
4) وإذا كان المرء مع مشهوده، كما
جاء «المرء مع من أحب[3]» فإنّ المقربين كلّهم سيكونون مع الله تعالى، ولكن تتفاوت
معيّاتهم بحسب مقاماتهم، ولا شكّ أنّ عنديّة الحبيب الأعظم e، ستكون هي
الأعلى والأقرب والأحق .
5) وإن نظرنا إلى هذا الحديث
وقارنّاها بآية (وَمن يطع الله
وَالرَّسُول فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين
وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا) سندرك معنى " الرّفيق الأعلى " أي : أعلى رفقة من
هؤلاء الذين حسنوا رفيقا، وهو أحسن منهم رفيقا، لأنّ رفقته ذاتيّة أحديّة أزليّة .
6) ويجوز أن يكون لفظ الحديث برفع
" الرّفيقُ الأعلى " أي : اللّهم أنت رفيقي الأعلى، إشارة إلى تعاليه eعند رحيله عن الأكوان، وأنّه ليس محجورا في التّراب، وحاشاهe وألف
حاشا.
7) وبمراعاة سبب الورود، وأنّ
الحديث ورد عند انتقاله e، وقفة
مهمّة تغيّر زاوية التأويل، لأنّ الأمور بخواتيمها، فكأنّه e يريد أن
يترك لنا رسالة عرفانيّة خاصّة، يختم بها حياته الرّساليّة، ليقول لنا : ( إنّي لست كهيئتكم إنّي أظلّ عند ربّي)[4]
وها قد عُدت إلى ربّي .
حضرة " الرّفيق الأعلى"
وإنّ " الرّفيق الأعلى " عند العارفين، هو علم على حضرة
معيّنة، وهي الحضرة الخاصّة بين الحقيقة المحمّديّة، والحضرة الذّاتيّة الأحديّة،
المعبر عنها بـ " الصّلة العينيّة" وبـ " الخلوة الأحديّة "
وبـ " عالم الوحدة " وبـ " مقام الوسيلة " وبـ " مقام أو
أدنى " وبـ " مخدع العنديّة " وبـ " بساط الأنيّة " .
وإنّ هذه الحضرة لازمة له e، من يوم
أن خلق الله تعالى النّور الأول، فذلك الوجود الغيبي، الذي كان يعبد الحق فيه
خاليا، من قبل خلق الأكوان، هو الذي صار يعرج إليه بعد التّنزل إلى الإمكان .
فهو المشار إليه بحديث : (كنت نبيا
وآدم بين الرّوح والجسد) أي كنت متّصلا بربي تعالى، من قبل هذه العهدة
الإنسانيّة، والحضرة التي كنت فيها من قبل خلقكم، هي التي أظلّ فيها بعد خلقكم ( إنّي أظلّ
عند ربّي ) .
وهو المشار إليه في حادثة المعراج، حيث ارتقى eعن عالم الملك السّفلي، ثمّ ارتقى عن عالم الملكوت العلوي، حتّى
خرج عن دائرة الأكوان، إلى حضرة عبر عنها القرآن بـ : ( ثمّ دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو ادنى ) .
و هو المشار إليه في حديث : »إنّي لست كهيئتكم، إنّي أظلّ
عند ربّي يطعمني ويسقيني)[5] أي : حتّى ولو تجسد نوري مابينكم، ولكنّي لست منكم، ولا أنا محجوب
بكم عن مولاي Y، فأنا
كائن معكم بائن عنكم، » إنّي أظلّ عند ربّي« فهذه الحضرة التي يظلّ فيها هي عينها "
الرّفيق الأعلى" .
وهو المشار إليه بحديث الوسيلة : »ثمَّ سلوا اللّه
عزَّ وجلَّ لي الوسيلةَ، فإِنَّها منزلةٌ في الجنّةِ لا تنبغي إلاّ لعبدٍ من عباد
اللّهِ تعالى ، وأرجو أن أكون أنا هو«[6] وكأنّه يقول لنا، أنّ دخولي للجنان هو ايضا تنزّل منّي، وسيكون في
مقام خاص أحلّ فيه، حيث لا أحجب عن الذّات الأقدس طرفة عين .
فكذلك أتت إليه الإشارة في حديث » اللّهم الرّفيق الأعلى « فبعدما
تنزّلe على
الأرض، وبلّغ الرّسالة الإلهيّة، لابدّ أن يؤوب بعدها إلى حضرته الأصليّة، فعبر
عنها بـ " الرّفيق الأعلى " .
وبعدمَا اسْتوى وكان الأدلى
|
عاد إلى حِجرِ الرّفيقِ الأعلى
|
ما مَاتَ بلْ غابَ عنِ الأنظارِ
|
ولن يراهُ إلّا ذو الإبصارِ
|
تَلطّفتْ أنوارُهُ فغارَتْ
|
وكلّما تشعشعت توارَتْ
|
بلْ ما تَجلّى فينا إلّا ظِلُّهُ
|
وفي العَموتِ غاب عنّا كلّه
|
فليس مِن عالَمِنا الدّنياوي
|
ولا مِن المستقبلِ الأُخراوي
|
كلّا ولا مِن حـضرةِ الكُثبانِ
|
وإنّما ادّلى مِن الكُنهانِ
|
فالحمدُ للحمدِ على النُّزولِ
|
إنّ التّدلّي آيةُ القَبولِ
|
فذلكة:
وعليه فإنّ تلك الحضرة ـ الأحمديّة الأحديّة ـ واحدة، ولكن
مسمياتها تتنوّع بتنوّع الإعتبارات والمظاهر :
فتسمّى
بـ "الخلوة الأحديّة" وبـ " العماء " وبـ " الكنزيّة
" باعتبار أوليتهe في تعبده وتجرّده هنالك،
خاليا في الأصداف الأزليّة.
وتسمّى
بـ " حضرة الوحدة" باعتبار إمامته للحضرة العليّة، واعتبار توحده e في شئونه، واعتبار توسطه
بين الأحديّة الحقيّة، والواحديّة الخلقيّة.
وتسمّى
بـ "مخدع العنديّة" باعتبار تجرّدهe عن الآثار السّفليّة، واعتبار الشّهود بالعينين،
والشّرب بالكأسين، بإشارة ( إنّي أظلّ عند ربّي).
وتسمّى
بـ "حضرة الوسيلة" باعتبار التّجلي الكثباني، واعتبار الحجاب الأعظم الوسيط بين الخلق وربّهم،
بدليل( ولا تكون إلّا لرجل واحد) .
وتسمّى "
حضرة أو أدنى" باعتبار علوه e وقربه ومباشرته للذّات، وهذا الذي ضرب به المثل
في المعراج.
وتسمّى
بـ " الرّفيق الأعلى" باعتبار المرحلة البرزخيّة، واعتبار مقام الحب
والخلّة والغيرة الذّاتيّة، واعتبار مغايرته e للعالمين، بشاهد ( لو كنت
متّخذا خليلا غير ربّي لاتّخذت أبا بكر) .
التّدني فالتّدلّي
ولا عجب من الذي خرج عن دائرة الأكوان، حتّى اتّصل بالله تعالى،
وهو لازال مابيننا في هذه الحياة، أن ينتقل إلى تلك الحضرة بعد مغادرة هذه الدّار،
وكأنه e في معراجه يضرب
لنا مثلا عن حضرته التي كان فيها ( كنت نبيا وآدم بين الرّوح والجسد) وعن حضرته التي سيؤول إليها ( اللّهم الرّفيق الأعلى) .
وإنّ آية ( ثمّ دنى فتدلّى ) تحدّد لنا مسيرة الحقيقة المحمّديّة في الوجود، فهو كلّما تدنّى
من الحق نبوّة، كلّما تدلّى إلى الخلق رسالة، أو قل كلّما تدنّى من الذّات تحققا،
تدلّى إلى الكون مظهرا، أو قل كلّما تدنّى من الآزال عبوديّة، تدلّى إلى الآباد
سيادة، ومع ذلك هو في كلتا الحالتين ( قاب قوسين أو أدنى ) فلا
نهاية لتدنّيه في معالم تدلّيه.
وإنّه e بحكم
رسالته العالميّة، وواسطته الوجوديّة، لابدّ وأن يتنزّل على كلّ العوالم ليدلّهم
على الله تعالى، ولكن مع عدم بينونته عن
حضرته الخاصّة، فتنزّل إلى عالم الأرواح، ثمّ إلى عالم السّماء، ثمّ إلى عالم
الدنيا، ثمّ إلى عالم البرزخ، ثمّ إلى عالم الحشر، ثمّ إلى عالم الجنّة، ثمّ إلى
عالم الكثيب..وهكذا، وكلّ ذلك لايحجبه عن مولاه طرفة عين .
وقد صوّر لنا الشيخ البلخي قدس الله سره، هذا
التّنزل في أحد مشاهده؛ فيقول : .. فسمعت قائلا يقول " إذا اشتاقت الملائكة
المقربون، والأنبياء المرسلون، والاولياء المحبون، الى رؤية رسول الله e ينزل
من مقامه الاعلى عند ربه تعالى الى هذا المقام، فتضاعف أنوارهم برؤيته، وتزكو أحوالهم
بمشاهدته، وتعلو مكانتهم ومقاماتهم ببركته e، ثمّ يعود إلى الرّفيق الأعلى " فسمعت الكلّ يقولون سمعنا وأطعنا
غفرانك ربنا وإليك المصير.[7]
قلت
وكأنّ هذا المشهد يحقق لنا حادثة المعراج، حيث التقى ساداتنا الأنبياء عليهم
السّلام به e في الأفق، ثمّ
جاوزهم كلّهم إلى حضرة " أو أدنى " واختلى بالرّفيق الأعلى Y،ثمّ تنزّل إليهم
بعد ذلك، ليسقيهم بسلسبيله الذّاتي .
خلاصة
ونفهم من هذا أنّ الرّفيق الأعلى له e، هو الحضرة الذّاتيّة
الأحديّة، والتي لاتحلّ إلّا له eشهودا ومعرفة وتحققا، كما لم تحلّ لسواه خلقا
وعبودية، وأنّه حينما غادر هذه الدنيا إرتفع إلى الحضرة الأعلى، التي كان ولايزال
فيها .
وبهذا
تنكشف الشّبهة التي يروّج لها الخوارج، من أنّه e قد مات وما بات ينفع، ولا
له إحساس بأمّته !!
كلّا
نورُ المصطفى لا ما انْطفى
|
إنّما اشتدَّ ظُهورًا فاختَفى
|
زادَ لُطفًا
فَتوارى جَسدًا
|
واعتَلى عِزًّا عنَ ابصارِ الجَفا
|
فكيف
يموت من كان في رفقة الحيّ القيّوم سبحانه وتعالى ؟! ومن الميّت حقيقة، الذي جاور
ربّه Y أو الذي يعيش في حجاب
وظلام ؟!
أليس هو e روح الإمكان، الذي لو زال
لانعدم الوجود ؟ أو ليس هوe نور الإيمان، الذي لو
إنقطع لكفر الإنسان ؟
أليس هو
الشّهيد علينا عند الله تعالى : ( يا أيّها
النّبي إنّا أرسلناك شاهدا ) فكيف
يشهد eعلى شيء لم يشهده فينا ؟
وهل
مفهوم الموت عندنا هو: العدم ؟ أليست الموت هي : انتقال من دار إلى دار؟ ومن عالم
الأجساد إلى عالم الأرواح ؟ فإذا كانت كذلك أليس قلب الوجود e هو الأولى بهذه الحياة
الروحانيّة، سيّما وأنّ نوره e هو روح الأرواح .
وقالوا ماتَ وانقضتْ حياتُهْ
|
وانقطعتْ عنِ الورى
هباتُهْ
|
كيف يَموت مَنبَعُ الحياةِ
|
أو كيفَ يَعمى نُورُ
عينِ الذّاتِ
|
ويا تُرى مَن بالرّفيقِ الأعلى
|
أنوارُهُ سَتَنطفي
وتَبلى
|
شمسُ النُّبوّةِ بِلا غُروبِ
|
لكنّها تَجوبُ في
الغُيوبِ
|
لو أفلتْ لانطفأَ الإيمانُ
|
عنِ الورى ونُسخَ القُرآنُ
|
في لحظةٍ لو زالتِ المدودُ
|
مِن سرّهِ لانعدمَ
الوُجودُ
|
ولهذا جرت عليه أحكام الأحياء بعد انتقاله e، فلم تورث
تركته، ولم تتزوج زوجاته القدّيسات بعده، وجاء السّلام عليه بصيغة الحاضر "
السّلام عليك أيها النّبي " لأنّه عين حضورنا مع الله تعالى .
فلو كان
دخولنا إلى هذه الدّنيا كدخوله e، لكان خروجه e منها كخروجنا، ولو كانت
حياتنا فيها كحياته e، لكان إنتقاله منها
كوفاتنا، والحق تعالى يقول : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ
كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَملُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ
سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) ولله درّ الإمام النبهاني إذ يقول :
خَيّروهُ فاِختارَ
أَعلى رفيقٍ
|
|
لَو أرادَ البقاءُ كان
البقاءُ
|
وهو باقٍ باللَه في كلّ
حالٍ
|
|
قبل موتٍ وبعد موتٍ
سواءُ
|
لقيَ اللَّه دون سبقِ
فراقٍ
|
|
إنّما أكّدَ اللّقاءَ
لقاءُ
|
مَوتهُ نَقلةٌ لأعلى
فأعلى
|
|
كلُّ علياءَ فوقها
علياءُ
|
هذا والله ورسوله e أعلم وصلّى الله على
سيّدنا ومولانا محمّد السِّرِّ الأمِّيِّ
الأعْجَمِيِّ ، السّاري مِن صُدوفِ الكُنوزِ ، إلى سُدُوفِ العَماءِ ، يَتوارى
وراءَ سُبُحاتِ العُيُونِ ،
ويَغُورُ في طامُوتِ
البُطونِ ، مُتَلَثِّمًا بِعِمامَةِ الوُجُوبِ ، حيثُ لا وَصْفٌ يُجَلِّيهِ ،
ولا إسْمٌ يَعْنِيهِ ، إلّا إذا ما ادَّلى
بالرُّوحِ ، فانْجَلَى لحضائرِ الغُيوبِ ؛
ولا يزالُ يَغُوصُ في
عُروقِ النُّعوتِ ، حتّى تَنزَّلَ على الأشهادِ ،
نَزلَةً فَنزلَةً
أُخرى ؛ ثمّ آبَ إلى رَفِيـــــــــــــــــــــقِهِ
الأعلى ،
كما كانَ ومازالَ ،
وما انْفَكَ طَرْفَةً عنِ الآزالِ ؛
وعلى آله وصحبه وسلّم
.
سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون
وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين